فلينزع القناع

راوية أبو ربيعة

(محامية في جمعيّة حقوق المواطن وعضوة لجنة العمل للمساواة في قضايا الأحوال الشخصيّة)

 

انطلقت لجنة العمل للمساواة في قضايا الأحوال الشخصية بحملة إعلاميّة تحت عنوان "لا مبرّر لتعدّد الزوجات". وتأتي هذه الحملة في أعقاب البحث النوعيّ الذي أصدرته اللجنة قبل أشهر قليلة بعنوان "تعدّد الزوجات: الخطاب والممارسة في المجتمع الفلسطيني"، وقد بيّن الإسقاطات النفسية، الاجتماعية، الاقتصادية والقانونية التي تتكبّدها النساء والأطفال، لتكون مقولات الحملة مشتقّة من مقولات النساء اللواتي شاركن في البحث، وفيها يعبّرن عن وضعيّتهنّ في ظل تعدّد الزوجات. إنّ اللجنة تعمل، منذ سنوات، على رفع مستوى الوعي لمخاطر هذه الظاهرة من خلال المحاضرات التوعوية، التوجيه والاستشارة القانونيّة والنفسية لتكون هذه الحملة جزءًا من عمل اللجنة المتواصل لرفع الوعي بمخاطر هذه الممارسة.

فوجئتُ من ردود الفعل على الحملة وعلى الجمعيّات النسائية التي تقوم بها، وخصوصًا من عدم التعامل مع قضيّة تعدّد الزوجات بموضوعيّة وشفافيّة كظاهرة تهدّد الأسس الاجتماعيّة وتجعل النساء والأطفال ضحايا لهذه الممارسة، وقد أدّى عدم الموضوعية إلى التستر خلف "الغطاء الدينيّ" كوسيلة إخراس، وتهميش لكلّ مَن ينتقد الظاهرة ويحاربها.

وهنا أتساءل: لماذا ترفضون التعامل مع قضيّة تعدّد الزوجات كقضيّة اجتماعية من الدرجة الأولى تنتهك حقوق النساء والأطفال؟ لماذا تتهرّبون من مسؤوليّاتكم المجتمعيّة وتؤيّدون ظاهرة تكرّس الاضطهاد والمعاناة النفسيّة للنساء والأطفال؟ لماذا تتستّرون خلف الغطاء الدينيّ؟

التستّر وعدم الموضوعيّة يعكسان كيفية تعامل مجتمعنا مع قضايا تخصّ مكانة المرأة، بحيث ينعتون هذه القضايا بنعوت مختلفة، مُعتبرين أنها قضايا "داخلية"، "حسّاسة" أو "دينية"، وعندما تحاول الجمعيّات النسوية والحقوقية رفع هذه القضايا الهامة، ونزع القناع عنها، يسمّونها "مدعومة من صناديق صهيونيّة".

لا شكّ في أنّ رفض المجتمع أن يتعامل مع هذه القضايا وتفضيل قبرها عميقًا نابع من كون التعامل معها يعني التعامل مع أنفسنا ومع حقيقتنا كمجتمع أبويّ، ذكوريّ، قبليّ لا يريد التخلّي عن موقع السيطرة والقوّة. وهذه قضية "حسّاسة"، "شرعيّة" وينهون النقاش. لكنّ النقاش والجدل بدآ ولن ينتهيا لأنّ عندنا الكثير ممّا يقال وممّا سنقوله بأعلى صوت وبدون تردّد:

نصبو إلى العيش في مجتمع حضاريّ يعتمد على أسس الديمقراطيّة، المساواة والعدالة الاجتماعيّة. نصبو إلى مجتمع سليم يرفض الظواهر الاجتماعية السلبية ويعزّز القيم الإنسانية. فيه مكان متساوٍ للنساء والرجال. وبالتالي، فإنّ استمرار ممارسة تعدّد الزوجات يهدّد هذه القيم ويشكل عقبة أمام النهوض بمجتمعنا قدمًا.

أناشدُكم التعامل مع هذه القضيّة بموضوعية كقضيّة اجتماعية تنتهك حقوق النساء والأطفال وتسيء لجميع أفراد المجتمع. فليرفع القناع!

 

 
 
 
 
 
 
 
إتصل بنا
هاتف : +972(4)6462138
قاكس : +972(4)6553781
[email protected]