تعدّد الزوجات ومسؤوليّة المجتمع والدولة

نقاط لا بدّ من طرحها!

صفاء عبدو

(محامية في فوروم معاً وعضوة لجنة العمل للمساواة في قضايا الأحوال الشخصية)

 

في خضمّ النقاش الدائر بين أطياف مجتمعنا، بين موافق ومعارض لممارسة تعدّد الزوجات، لا بدّ من الوقوف وطرح أسئلة جوهريّة تحتاج إلى إجابات واجتهادات جدية حول تعامل المجتمع والقضاء مع ممارسة تعدّد الزوجات في مجتمعنا الفلسطيني.

أوّلاً، بحسب القانون الجنائي الإسرائيلي عقوبة المخالف لقانون منع تعدّد الزوجات أو الأزواج تصل حتى خمس سنوات سجن. في المقابل، ووفق المعطيات الرسمية، عندما تقوم الزوجة الأولى برفض زواج الزوج وتتقدّم بشكوى لا تتمّ مقاضاة المخالف الذي يمارس التعدّد إلا في حالات نادرة، والعقوبة عادة لا تتعدى الأشهر أو دفع غرامة مالية. لماذا هذا التجاهل التام للقانون الجنائي على هذا الصعيد؟ بالرغم من أن جميع الأبحاث الأكاديمية الأسرائيلية أكدت على أنّ الأحكام الصادرة بحق المواطنين العرب هي أشدّ من تلك الصادرة بحق مواطنين يهود في المخالفات الجنائية المتعدّدة! الأمر الذي نرفضه جملةً وتفصيلا، لكن عند المطالبة باحقاق الحق على القانون أن يأخذ مجراه وعليه إنصاف المستضعفين والمستضعفات.

ثانيًا، بالنسبة إلى "النهب" المفضوح من قبل مؤسّسة التأمين الوطني، كإحدى مؤسسات الدولة، فهي "فجأة" تعطي نفسها الحقّ في "الاعتراف" بوضعية تعدّد الزوجات وتطلق عليها لقب "العائلة الموسّعة"، وهو ما يقلّص من حقوق العائلة العربيّة من مخصّصات ضمان الدخل بشكل طرديّ لكل عائلة ثانية، الأمر الذي يوفّر على مؤسّسة التأمين الوطني مبالغ لا يُستهان بها. من المستهجن ادّعاء الدولة بأنّها لا تسطيع رصد الممارسة ولا تتوافر لديها آليات للكشف عنها، لكون الزيجات الثانية تبقى في نطاق العقد البرّاني، لكن عندما يتعلّق الأمر "بجيبتها" نراها مبدعة في إيجاد طرق الكشف عنها والاعتراف بها حتى لا تدفع المخصّصات للنساء والأولاد.

ثالثًا، إنّ الفكرة السائدة في المجتمع هي أنّ المتزوّج من أكثر من امرأة وله أولاد من عدّة نساء هو رجل ميسور الحال وقادر على توفير مستلزمات الحياة الأساسية على الأقلّ أو أكثر من ذلك، لجميع زيجاته، هي فكرة مغلوطة وبعيدة كل البعد عن الواقع. للأسف، نجد أن معظم هذه الزيجات تتمّ من خلال تهرّب الزوج من واجباته الزوجية، المادية، الاجتماعية، وهو كذلك غير قادر على توفير العاطفة الزوجية والرعاية الأبوية. والحالة هذه، على مَن تقع مسؤوليّة الرعاية الأبويّة؟!

رابعاً، أين الشخصيات الاجتماعية والسياسية من هذه الممارسة؟ أين المسؤوليّة المجتمعية تجاه النساء والأطفال؟ لا نريد المزيد من الأجيال التني تنمو تحت خطر الفقر، ولا نريد جيلاً يعاني الأزمات النفسية والاجتماعية، ولا نريد نساء مضطهدات ومنكسرات، ولا نريد مجتمعًا غير منصفٍ بحقّ أفراده!

خامسًا، ادّعى مَن ادّعى بأنّ تعدّد الزوجات هو آليّة مقاومة قوميّة! وبالتالي فكثرة الأولاد هي عمليّة من ضمن عمليات مقاومة حرب الدولة الديموغرافية التي تستهدفنا كأقليّة قومية في هذه البلاد، ومن يتّفق مع هذا الادّعاء فهو واهم! بحيث من شأن تعدّد الزوجات خلق مجتمع متفكّك، فقير ويعاني من هشاشة داخليّة.

سادسًا، إنّ أنصار ممارسة التعدّد يدّعون حرصهم على نساء مجتمعنا ويروّجون للتعدّد من منطلق "الستر"، فهل فعلاً هذا هدفهم؟ وهل فعلاً لهذا السبب يعدّد الرجال؟! أينَ هم مِن تفكّك الأسرة؟ وأين هم من انتقاص حقوق الزوجات؟ وهل فعلاً علينا إنصاف المرأة على حساب المرأة الأخرى؟! لماذا يجب على المرأة أن تتكبّد دومًا مفاهيم مجتمعنا وتكون ضحيّته؟!

 
 
 
 
 
 
 
إتصل بنا
هاتف : +972(4)6462138
قاكس : +972(4)6553781
[email protected]