مشاريع

 

نفقة الأطفال وفق الأحكام الإسلامية:

موضوع نفقة الأطفال المسلمين مرفق في قانون "حقوق العائلة العثمانية", بحيث أن الوالد ملزم بدفع نفقة إبنه الفقير حتى يبلغ السن الذي يمكنه من العمل و كسب المال بنفسه, إضافة إلى أن الوالد ملزم بدفع نفقة بناته حتى تتزوجن, عندها تصبح نفقتهن واجبة على أزواجهن. لذا فإن الشرط الأساسي لوجوب الإنفاق على الأطفال وفقاً للحكم الإسلامي هو حاجة الطفل, وفي حال إنعدام الحاجة فإن حقه في النفقة يلغى.

حسب الحكم الإسلامي الأم غير ملزمة بدفع نفقة أطفالها, وفي حال قامت الأم بهذه المهمة –لفقر الأب- فإن لها الحق بالمطالبة بالمبلغ الذي أنفقته على أطفالها من والدهم عندما تتحسن أحواله المادية.

النفقة حسب القانون تتكون من أربعة مركبات أساسية:

  1. الطعام والشراب- ثلاث وجبات في اليوم, 2. الملبس- مرتان في السنة (صيف وشتاء), 3. المسكن, 4. العلاج الطبي.

وفي هذه الحالة تكون النفقة الواجبة على الأب لأولاده تعد نفقة متدنية نسبةً للإحتياجات الأساسية للطفل.

 العوامل الأساسية التي تؤثر على تحديد مبلغ النفقة من قبل المحكمة هي: مدخول الأب, إحتياجات الأطفال والمبلغ المطلوب باسم الأطفال.

على الرغم من أن القضاة في المحاكم الشرعية لا يفرضون النفقة على الأم بشكل فعلي إلّا أنهم يقومون بتقليل مبلغ النفقة الواجب على الأب إنفاقه بسبب عمل الأم, و بهذا يتم تقسيم النفقة ما بين الأب و الأم بشكل غير مباشر.

 

نفقة الأطفال وفق الأحكام الكنسية:

أ‌.         الطائفة الكاثوليكية: واجب دفع نفقة الأطفال وفقاً لهذه الطائفة ملقى على عاتق الوالد, أحد الشروط الواجب توفرها لكي يقوم الأب بدفع نفقة طفله هو أن يكون هذا الطفل فقير, لذا إذا كانت لديه أية أملاك أو لديه أي مدخول فإن نفقته تلغى. حسب القانون يحدد مبلغ النفقة حسب ثلاثة عناصر: 1. إحتياجات الطفل, 2. وضع الوالد الإقتصادي, 3. وفقاً للمتعارف عليه في مكان سكن عائلة الطفل.

ب‌.     الطائفة الأورثوذوكسية: حسب هذه الطائفة على الأب أن يهتم بمعيشة أطفاله (يشمل دفع النفقة), وفي حالات معينة يفرض على الأم الثرية الإهتمام بهذا الأمر. يحدد مبلغ النفقة في المحكمة, مع العلم أن هذا المبلغ قابل للتغير.

 

الاعتبارات الدينية التي تأخذ بالحسبان في مجال الأحوال الشخصية بدولة إسرائيل تتناقض مع مبدأ المساواة بين الجنسين, ومع مبدأ حرية الضمير المحددين بالوثيقة العالمية لحقوق الإنسان, بالإضافة إلى أنها تتناقض مع أسس قانونية في القضاء الإسرائيلي والتي من ضمنها حق الاحترام, الاستقلالية و المساواة; الأمر الذي يؤدي و بشكل فعَال إلى زيادة الفوارق بين الجنسين داخل مؤسسة العائلة. لذا,فإن المناداة بالمساواة بين الوالدين بدفع نفقة الأطفال هو أمر مستهجن وغير منطقي, لأن في هذا تجاهل لعدم المساواة المُعاش في الواقع الحياتي الأسري و في النظام العام, بحيث أن مكانة المرأة داخل الأسرة تعكس مكانتها في مجتمعنا الذكوري الذي يخضعهن لتقديم التنازلات الإقتصادية لأزواجهن عقب التهديدات الموجهة لهن من قبلهم: "إذا لم تقومي بفعل.... فلن تحصلي على الطلاق/ سآخذ الأطفال منك".

الأشخاص الذين يدَعون بأن عدم مشاركة الزوجة بدفع نفقة الأطفال يزيد من الفوارق بين الجنسين, يتجاهلون الواقع الذي يعكس أفضلية الرجل على المرأة, ويتجاهلون الفوارق الحقيقية في الكثير من النواحي, ومنها: الأجر- هنالك فرق بمستوى الأجر الذي يتقاضاه كل من النساء والرجال, بحيث أن قدرة النساء الإقتصادية أقل من قدرة الرجال, و بالأخص ما بعد الطلاق, فإنه يفرض عليهن التأقلم مع واقع الذي به حتى لو كن يعملن وعلى الأغلب بوظائف جزئية بسبب كونهن أمهات حاضنات, فإنهن يتقاضين أجور أقل من تلك التي يتقاضاها الرجال (تشير الإحصائيات إلى أنه في عام 2002  متوسط ساعات العمل الأسبوعية لدى النساء بلغت 31 ساعة مع أجر 36.7 شواقل للساعة, في حين أن ساعات العمل لدى الرجال بلغت 42 ساعة أسبوعية مع أجر 45.3 شواقل للساعة), التنازلات- والتضحيات التي تقدمها المرأة من أجل تربية أطفالها على حساب تقدمها ونجاحها المهني ففي الكثير من الأحيان تضطر المرأة لتأجيل عملها أو حتى التخلي عنه بسبب إلتزامها تجاه أطفالها وبسبب الساعات الطويلة التي تقضيها الأم في تربيتهم وفي الاعتناء بهم, وهنا يطرح السؤال التالي: هل من الممكن أن نقوم بترجمة هذه الساعات وهذه الطاقة المبذولة من قبل الأم الحاضنة لقيمة مادية؟ السؤال المطروح يظهر مدى عدم مصداقية مطالبة الأم بالمشاركة بدفع نفقة أطفالها. هذا الأمر يعتبر من أكثر الأمور التي تعكس الفوارق الإقتصادية ما بين المرأة والرجل, ويعكس المستوى الاقتصادي المنخفض للمرأة نسبةً للرجل وخاصة بعد الانفصال والطلاق, وهذا لأن المستوى الإقتصادي للمرأة ينخفض بعد الطلاق في حين أنه للرجل ينخفض فقط في السنوات الأولى التابعة للطلاق ولكن سرعان ما يأخذ بالإرتفاع مجدداً, لذا فأنه لا يمكن المطالبة بدفع متساوي للنفقة في حين أن القدرة الإقتصادية غير متساوية.

 

وضعية النساء الفلسطينيات مواطنات دولة إسرائيل هي وضعية خاصة جداً, وهذا لأنهن موجودات في أسفل السلم الإقتصادي والإجتماعي نسبةً للنساء اليهوديات ونسبةً للرجال الفلسطينيون مواطنو إسرائيل, فتشير الإحصائيات إلى أنه في عام 2002 فقط نسبة 17.30% من النساء الفلسطينيات في إسرائيل إنخرطن في سوق العمل, وهذا نتيجة لكون الوظائف الشاغرة المقترحة عليهن لا تتضمن أية شروط إجتماعية أو إقتصادية ملائمة, إضافة إلى كون المجتمع الذي تعيش به المرأة الفسطينية  مجتمعاً ذكورياً محافظ يقوم بتقسيم وتحديد وظائف كل من الزوجين في إطار العائلة; عدم وجود مناطق صناعية في المناطق العربية, مراكز وحضانات لرعاية الأطفال وانعدام المواصلات, كل هذه الأمور تؤدي لأن تكون نسبة 82% من النساء الفلسطينيات في إسرائيل غير عاملات, الأمر الذي يفرض على المرأة الفلسطينية واقع  تكون فيه تابعة اقتصاديا لزوجها أو لرب أسرتها.

بناءً على هذا فإن المطالبة بتقسيم مبلغ نفقة الأطفال بين الأم والأب تؤدي في نهاية الأمر لتقوية الجانب القوي ولإضعاف الجانب الضعيف (النساء المطلقات الحاضنات).

 

 

جباية النفقة من مواطني السلطة الفلسطينية:

تعتبر الوثيقة العالمية لحقوق الطفل, والتي صادقت عليها دولة إسرائيل في عام 1956, وسيلة مساعدة للأشخاص المتعلقين إقتصادياً بمواطن من خارج البلاد فإنها تقوم بتوفير الدعم المطلوب من أجل تسهيل جباية النفقة  بالخارج إما بواسطة إصدار أحكام من أجل التطبيق في المحكمة الموجودة في الدولة المقيم بها المـ’لزم بدفع النفقة أو بواسطة تمرير طلب بدفع النفقة. هذه الوثيقة لا تطبق ولا تخدم النساء الفلسطينيات مواطنات إسرائيل اللاتي كن زوجات لرجال فلسطينيون مواطنو السلطة الفلسطينية, وهذا لأن السلطة ليست من الدول التي صادقت على الوثيقة. تفاقمت ضائقة النساء الفلسطينيات مواطنات إسرائيل بشكل خاص عقب التغيير الذي طرأ على قانون التنظيمات (חוק ההסדרים) عام 2002, والذي تحدد وفقاً له أن دفع مبلغ النفقة لا يتم عن طريق مؤسسة التأمين الوطني في حال كان الملزم بالدفع سكن خارج دولة إسرائيل.

بالاتفاقية ما بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني (أوسلو) هنالك بند تحت عنوان "الدعم القضائي لقضايا المواطنين" والذي ينص على ما يلي: 1. على إسرائيل القيام بتطبيق الأحكام الصادرة عن الجهات القضائية الخاصة بالطرف الآخر, شريطة أن تكون لهذه الجهة الصلاحية في إصدار الأحكام وأن يكون تطبيق الحكم غير مناقض للعرف السائد, لذا فبإمكان أقسام تنفيذ الأحكام التابعة لكل طرف إصدار أوامر من هذا القبيل, 2. في إطار جباية وتنفيذ أمر ما على إسرائيليين يكون قسم الجباية الفلسطيني مؤهل لإصدار الأوامر على أملاك شخص إسرائيلي متواجد في منطقة الضفة, وعندها تقوم الشرطة الفلسطينية بتنفيذ الأوامر بالإشتراك مع الشرطة الإسرائيلية, 3. أوامر الحبس وأوامر تأخير الخروج من الدولة الصادرة ضد إسرائيلي, تنفذها أقسام تنفيذ الأحكام والشرطة الإسرائيلية.

قامت إسرائيل بسن قانون تطبيق الإتفاقية السابق ذكرها (بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي) فيما يتعلق بالضفة الغربية وقطاع غزة, والذي ينص على أن أجهزة الدعم القضائي أقيمت من أجل التطبيق المتبادل للأحكام بين السلطة الفلسطينية وبين إسرائيل. و لكن الواقع الدولي القائم (خاصة بعد تطبيق برنامج الفصل) يدل على أن السلطة الفلسطينية تعتبر كجسم منفصل عن دولة إسرائيل لذا فإن المبدأ المعتمد في إدارة العلاقات فيما بينهم هو حسب القانون الدولي "لا إجبار بين متساوين" أي أنه ليس بإمكان دولة معينة التحكم بدولة أخرى ولا بإمكانها الحكم عليه, على الرغم من أنه ليس هنالك تطبيق كلي لهذا القانون إلا أنه يعمل به في كل ما يتعلق بسلطة الدولة على مواطنيها.

هذا الواقع يضع النساء اللاتي أزواجهن من السلطة الفلسطينية بين المطرقة والسدان, وهذا لأنهن لا يستطعن تنفيذ الأحكام الصادرة عن نفقة أطفالهن في حدود السلطة, وبالمقابل لا تستطعن الحصول على النفقة, وهذا لأن الملزم بالدفع ليس مواطن إسرائيل. ومع هذا ليس بإمكان الدولة التنكر من هذه النساء وجعلهن هن وأطفالهن أن يصلن لمرحلة الجوع. لذا فإن هذا الأمر يتطلب تدخل تشريعي توفر للأمهات والأطفال الأمان الاجتماعي من أجل ضمان الاحترام لهن, وتعديل القانون لكي تستطيع تلك النساء الحصول على مبلغ النفقة.  

إستنتاجات وتوصيات:    

  1. عند الحديث عن كل ما يتعلق بأحكام العائلة علينا التحدث بصورة عميقة ومفصلة عن النظام ككل وهذا لأن جميع حلقات الأحوال الشخصية متصلة ببعضها البعض, لذا فإن التطرق إلى موضوع نفقة الأطفال بشكل منفصل عن أحكام العائلة (كما الوضع في دولة إسرائيل) يعتبر أمرأً غير سليم, لأنه عند إحداث تغيير معين في مجال ما دون أن فحص تأثيره على المجالات الأخرى, من الممكن أن يؤدي هذا إلى تفاقم عدم المساواة السائدة في النظام العام.
  2. حسب اعتقادنا فإنه على التغيير التشريعي أن يعكس تفهمه لعدم المساواة بين النساء والرجال بقضايا الأحوال الشخصية, وعليه أن يبتعد عن التضامن مع الرؤية الرسمية للمساواة بشكل منفصل عن الرؤية الجنسية للمساواة بين الجنسين.
  3. تفعيل رسمي لنظام يفرض تقسيم  مبلغ النفقة بشكل متساوي بين الزوجين ما هو إلا انعكاس لجهاز قضائي يدعم عدم المساواة بين الجنسين بشكل غير مباشر, وهذا لأنه يتجاهل الفوارق الواضحة ما بين راتب الزوج والزوجة, و يتجاهل أيضاً جميع التنازلات التي تقدمها النساء من أجل الاعتناء بأطفالهن, على حساب تقدمهن المهني والعملي.
  4. عند حساب مبلغ النفقة علينا أن نأخذ بعين الاعتبار الساعات الطويلة التي تقضيها الأم مع أطفالها من أجل تربيهم  والاعتناء بهم, لذا فعلينا تحويل هذه الساعات لقيمة مادية. 
  5. هنالك حاجة لتشجيع سياسة جماهيرية تضمن للأمهات الوحيدات المعيلات شبكة ضمان اجتماعي من أجل تمكينهن من العيش كما يجب. النظام الحالي لدفع النفقة بواسطة مؤسسة التأمين الوطني لا تضمن للأم التي تربي أطفالها حياة كريمة. معظم الأمهات العاملات اللاتي تتقاضين أجوراً تفوق الحد الأدنى بقليل لا تستطعن الحصول على نفقة أطفالهن. السياسة الاقتصادية المتبعة حالياً تثقل بشكل كبير على كاهل الأمهات الوحيدات المعيلات بدلاً من أن تساعدهن. واجب الدولة تجاه الأطفال ينبع من قانون حرية الإنسان و احترامه و من واجبها بمجرد توقيعها على الوثيقة العالمية لحقوق الطفل.
  6. فيما يتعلق بالنساء الفلسطينيات مواطنات دولة إسرائيل واللاتي مطلقوهن من السلطة الفلسطينية ويسكنون داخل حدودها, على دولة إسرائيل أن تؤمن لأطفالهن ولو كان حداً أدنى للمعيشة, و لتعديل القانون بحيث يسمح لهن الحصول على مبلغ النفقة من صندوق الدولة.

 

 
 
 
 
 
 
 
إتصل بنا
هاتف : +972(4)6462138
قاكس : +972(4)6553781
[email protected]