مقالات ودراسات

 

* هبه يزبك 

الازدواجيّة الأخلاقيّة في تعامل دولة إسرائيل مع مواطناتها الفلسطينيّات – تعدّد الزوجات كحالة


أبدعت دولة إسرائيل وأجهزتها القضائيّة في استعمال الغطاء الشفّاف المسمّى "الحساسيّة الثقافيّة" أو "الخصوصيّة الثقافيّة" في القضايا المتعلقة بانتهاك حقوق النساء الفلسطينيات مواطنات دولة إسرائيل. فرغم وجود العديد من القوانين لتأكيد المساواة بين الرجال والنساء من خلال تكافؤ الفرص في الحياة العامة، إلا أنّ الممارسة الفعليّة لهذه القوانين تعمل على زيادة انتهاك حقوق النساء وترسيخ مفاهيم اجتماعية من شأنها الحطّ من مكانة المرأة والعمل على تذنيب الضحية وتبرئة المجرم، وإعلان مسؤوليتها عن الجريمة التي حلّت بها!

طبعًا لم يكن من المتوقّع أن تطال التغيّرات في البنية القانونيّة الإسرائيلية لمساواة المرأة بالرجل، النساء الفلسطينيّات، ولم يكن من المنتظر أن تحسن من مكانتهنّ بالضرورة، وذلك بسبب التمييز العنصري ضدّ المرأة الفلسطينية في إسرائيل. فالافتقار لبنية قانونيّة كافية للدفاع عن حقّ الأقلية الفلسطينية في إسرائيل بالمساواة ومنع التمييز العنصريّ ضدها له أثره وانعكاسه المباشران على مكانة المرأة الفلسطينية المتدنّية في البلاد وعلى الإطار القانوني الذي يمنح الحقّ في المساواة للمرأة بشكل عامّ.

إنّ التعامل المزدوج مع قضايا النساء من قبل مؤسّسات الدولة المختلفة، واستعمال الشعارات الرنّانة لتدعيم النساء والنهوض بمكانتهنّ، أصبحا أمرًا مفضوحًا يستوجب التوقف عنده ورفضه. بدءًاً من عدم توفير الميزانيّات للخدمات والأطر النسائيّة (في حال توافرها!)، مرورًا بعدم توفير فرص التعليم والعمل، التغاضي عن اختراقات فظّة للقانون مثل تعدّد الزوجات، الزواج دون السنّ القانونية وغيرها، وانتهاءً بـ"تفهّم" قتل النساء على خلفيّة ما يسمّى "شرف العائلة".

وهنا سأتناول قضيّة تعدّد الزوجات كحالة.  فبينما يعتبر القانون الإسرائيلي تعدّد الزوجات مخالفة جنائيّة، وذلك بادّعاء الحفاظ على مكانة المرأة والحفاظ على مبدأ المساواة بين الجنسين، يُطرح تعدّد الزوجات على الأجندة الإسرائيليّة كـ"تهديد للأمن القوميّ للإسرائيليين وكخطر ديموغرافيّ، اقتصادي وجنائي من الدرجة الأولى". فينظر إلى النساء العربيات على أنهنّ رحمٌ "مخيف" يحمل قنابل تهدّد أمن الدولة القوميّ والمنظومة الاقتصادية.

إنّ النظرة الاستشراقيّة الاستعمارية التي تتبعها دولة إسرائيل من خلال تجاهل مشكلة تعدّد الزوجات في المجتمع الفلسطيني، مدعيةً تطبيق مفهوم "الخصوصيّة الثقافيّة"، ما هي إلا أداة أخرى يستعملها الجلاد لقمع الضحيّة، وترسيخ دونيّة المرأة الفلسطينية، الأمر الذي من شأنه إضعاف المجتمع الفلسطيني ككلّ، والاستفادة المباشرة من صراعاته الداخليّة. حتى أمست مشكلة تعدّد الزوجات تطرح في دولة إسرائيل على أنها عبء اقتصاديّ من الدرجة الأولى، لتصبح النساء وأولادهنّ أرقامًا تحصى وتعدّ بحسب المخصّصات الاجتماعية والثقل الماديّ الذي تشكّله على الدولة، وخطرًا أمنيًّا تجب مداواته، وتضييع المشاعر الإنسانية لنساء مضطهدات يعشن الويلات مع أولاد يعانون التفكّك الأسريّ والمشاعر السلبيّة.

إنّ تجريد القضيّة من فحواها الإنسانيّ ومن موضعيّتها القانونية والحقوقيّة ما هو سوى جرم آخر ترتكبه دولة إسرائيل بحقّ مواطناتها الفلسطينيّات، وذلك باسم "الحساسية والخصوصية الثقافية" التي تجيد إسرائيل استعمالها بدهاء ضد النساء الفلسطينيات. والدهاء الأعظم يكمن في تخفيف الأحكام (في حال صدورها!) بحقّ منفّذي جرائم قتل النساء على خلفيّة ما يُسمّى "شرف العائلة" (علمًا بأنّ جرائم القتل المقترفة ضد النساء اليهوديات يُطلق عليها اسم "القتل على خلفيّة رومانسيّة"!). يأتي ذلك في الوقت الذي تضرب فيه الدولة بعرض الحائط مبدأ الخصوصية الثقافية والقومية في المجتمع الفلسطيني في ما يتعلق بقضايا الأرض والحفاظ على الهويّة، وذلك عند سنّ قانون لمنع الفلسطينيين من إحياء نكبتهم! وعند هدم البيوت والقرى غير المعترف بها! وعند إصدار قانون المواطنة ومنع لمّ شمل العائلات الفلسطينيّة! وعند وضع مناهج تعليميّة في المدارس العربية متجاهلة التاريخ والثقافة الفلسطينيين، وغيرها الكثير.

إنّ استغلال (وليس استعمال) الدولة لمفهوم "الخصوصيّة الثقافيّة" بات مباحًا ومرحّبًا به في كلّ ما يخصّ قضايا النساء العربيات، فالادّعاء هو أنّ الخصوصيّة الثقافية للمجتمع الفلسطيني تمنع، مثلاً، خروج النساء إلى العمل، التعليم والمشاركة السياسيّة. لا شكّ في أنّ الطابع الذكوريّ والمحافظ  لمجتمعنا الفلسطينيّ يقيّد خروج النساء إلى الحيّز العام لكنه لا يمنعه، لا بل إنّ التطوّرات السريعة التي حلت على البنية الاجتماعية للمجتمع الفلسطيني باتت تشجّعه.

المطلوب هو ممارسة واضحة، صحيحة وأخلاقيّة للقيم الإنسانية والقواعد القانونيّة المبنيّة على الأسس الإنسانيّة للمواثيق الدوليّة لحقوق الإنسان لضمان العدل الاجتماعي والقومي الجماعي والحفاظ على القيمة الإنسانية للمرأة والتعامل مع قضاياها بجدّية ومسؤوليّة بما يضمن لها مكانة اجتماعية راقية وغير قابلة للمساومة. 

 

*مركزة لجنة العمل للمساواة في قضايا الأحوال الشخصية

 

 

 

 

 

 
 
 
 
 
 
 
إتصل بنا
هاتف : +972(4)6462138
قاكس : +972(4)6553781
[email protected]