مقالات ودراسات

 

يشكل الزواج وإنجاب الأطفال عاملاً اجتماعيًا مهمًا، ومرتبطًا بالثقافة المجتمعية في المجتمعات الإسلامية بشكل عام، والمجتمع الفلسطيني بشكل خاص . حيث خلقت التجربة الفلسطينية مفهومًا ذا أيديولوجية خاصة في أهمية المحافظة على العنصر الفلسطيني المهدد كل يوم بالقتل أو التهجير، فعززت مفهوم الزواج، بشكل عام والزواج المبكر بشكل خاص، وجعلت منه مسؤولية وهدفًا دينيًا، و وطنيًا.
هناك عدة مفاهيم لتعريف الزواج، منها مفاهيم شرعية، تشكلت منها المرجعية القانونية لمفهوم الزواج، ومفاهيم دولية، إذ يعرف الزواج فقهيًا بأنه: اقتران رجل بامرأة بعقد شرعي قوامه الرضا المتبادل بين الطرفين، ويعرف القانون الفلسطيني الزواج بأنه :"رابطة بين اثنين محلها العقد، حيث تنعقد النية بالإيجاب والقبول، في مجلس العقد الذي يتكون من: الزوج، والزوجة، والولي/ الوكيل، وشهادة الشهود، ومهر مسمى في مجلس العقد"، أما الزواج المبكر فيعرف فقهيًا بأنه: "زواج الفتاة قبل بلوغ الحيض"، في حين تعرف المواثيق، والاتفاقيات الدولية الزواج المبكر بأنه: " الزواج في سن أقل من 18 سنة"، حسب ما عرفته وثيقة حقوق الطفل- اليونسف 1، هذا ولا نجد تعريفًا قانونيًا للزواج المبكر، حيث يقر القانون الفلسطيني زواج الفتاة في سن 17 سنة شمسية.

وترتبط قضية الزواج المبكر بعدة عوامل اجتماعية ذات الصلة بأفراد المجتمع مثل المعتقدات الدينية، والعادات والتقاليد، ونمطية الثقافة السائدة، وهي محصلة عوامل اقتصادية متباينة فنجد أن الزواج المبكر ينتشر في الأواسط الفقيرة وغير المتعلمة، وفي العائلات كثيرة النسل، حيث وجدت حالات زواجية عديدة كان عمر الزوجة فيها 15 سنة فقط، خاصة في محافظة جنين ، وسلفيت ، في حين بلغ عمر زواج الفتيات 16 سنة في محافظات غزة، للعام 1999فظاهرة الزواج المبكر في ازدياد مستمر حيث تشير الإحصاءات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن نسبة من تزوجن بسن أقل من 18 سنة %32.2 من مجموع الحالات الزواجية للعام 2003 ، في حين أشارت إحصاءات العام 2004 ، أن %50 من النساء المتزوجات كان عم رهن عندما وضعن مولدهن الأول أقل من 19 سنة، وهذا يدل على انتشار التزويج المبكر في العديد من محافظات الضفة وغزة. إن هذه النسب المرتفعة لحالات الزواج المبكر، لا بد لها من أسباب ودوافع، فظاهرة التبكير في الزواج ليست ظاهرة عبثية بل هي محصلة دوافع اقتصادية واجتماعية، فالزواج المبكر يضع المرأة في إشكاليات كثيرة تنعكس على صحتها وسلامتها من جهة، وعلى مجتمعها وأسرتها من جهة ثانية. فمن الناحية التعليمية يؤثر الزواج المبكر سلبًا على التعليم، بسبب الانسحاب المبكر من مقاعد الدراسة(أي قبل إنهاء المرحلة الإلزامية،

و الثانوية)، فقد أشارت المسوح السكانية التي أجريت على المجتمع الفلسطيني للعام 2003 ، إلى أن 46.5 % من الفتيات المنسحبات من مقاعد الدراسة انسحبن بسبب الزواج، في حين كان التحصيل العلمي الضعيف، هو السبب الرئيسي للتسرب الذكور بنسبة 32.9 %. والتسرب من المدارس مبكرًا يساهم في زيادة معدلات الأمية بين صفوف النساء، فعند مراجعة الإحصاءات الرسمية للتعليم في الأراضي الفلسطينية منذ العام 1997 - وحتى العام 2003 ، نجد أن معدلات الأمية بين النساء15)فأكثر) انخفضت ولكنها لا تزال أعلى من معدلاتها لدى الذكور، حيث انخفضت معدلات الأمية بين الإناث من %20.3 في عام 1997 إلى 12.6 % في عام 2003 للإناث. في حين بلغت لدى الذكور %3.7 للعام 2003 . وتعد وفاة الرضع والأطفال دون الخامسة، من أهم المؤشرات التي توضح العلاقة بين عمر الأم، و درجة التعليم حيث بلغت نسبة وفيات الأطفال الرضع، للسيدات ذات التعليم المنخفض 7.3 % من مجموع الأمهات اللاتي فقدن أطفالهن، في حين تنخفض هذه النسبة لدى السيدات ذات التعليم العالي لتصل إلى : 5.1 %، وهذا يجعل لتعليم الإناث أهمية كبرى.

يؤثر الزواج المبكر على المرأة والمجتمع اقتصاديًا في عدة مضامين أهمها: الفقر، و العمل والبطالة .حيث يؤدي الزواج المبكر إلى زيادة الفقر لدى العائلات كثيرة النسل، وبذلك نجد أن العلاقة إيجابية بين الفقر و الخصوبة، خاصة إذا علمنا أن معدلات الخصوبة في الأراضي الفلسطينية لا تزال مرتفعة، إذا ما قورنت بالبلاد العربية المجاورة، كالأردن وسوريا، إذ بلغ معدل الخصوبة الكلية في الأراضي الفلسطينية 5.6 للعام .2003 وذلك لأن
الفتاة المتزوجة في سن صغيرة غالبًا ما تنجب مولودها الأول خلال السنة الأولى من الزواج، حيث أشارت الدراسات الإحصائية الرسمية، أن 99.7 % من النساء المتزوجات في سن المراهقة ، لديهن أطفال في مرحلة عمرية بين (0-3 سنوات) أو حوامل.7 ويوضح الشكل التالي نسب الفقر، وفقًا لأنماط الاستهلاك الشهرية، آخذ في الاعتبار عدد أفراد الأسرة في المجتمع الفلسطيني كانون أول 2003. 

النتيجة أنه كلما زاد عدد أفراد الأسرة يزداد الفقر، حيث أن 61.7 % من الأسر التي عدد الأفراد فيها 9 فأعلى تعاني من فقر. وتشكل هذه الأسر 3.3 % من مجموع الأسر الفقيرة في الأراضي الفلسطينية 8. وهذا له علاقة وثيقة بالزواج المبكر، ويتضح ذلك عند الكشف على العائلات المستورة أو الفقيرة، نجد أن الأم تزوجت بسن صغيرة دون أن تنهي مراحل التعليم الأساسية، وبالتالي لم تتمكن من الحصول على شهادة علمية، أو مهنية تمكنها من المساهمة في العمل لزيادة دخل العائلة.

أما من حيث تأثير الزواج المبكر على مشاركة النساء في سوق العمل فنجد أن النساء الفلسطينيات يشكلن 49.3 % من مجموع السكان في الضفة الغربية وقطاع غزة للربع الرابع للعام 2004 ، إلا أن مشاركتهن في القوى العاملة لم تتعدى 14.6 % حسب إحصاءات الربع الرابع من العام 2004 ، حيث أن 85.4 % من النساء في الفئة العمرية 15 سنة فأكثر، هن خارج القوى العاملة في مختلف الأراضي الفلسطينية، وهذا بسبب التزويج المبكر الذي يؤدي إلى حرمان المرأة من حقها في التعليم العالي والمهني، الذي يمكنها من إيجاد فرص عمل مناسبة في القطاع الرسمي، مما يؤدي إلى خفض مشاركة النساء في القوى العاملة، أو حصر مشاركتهن في عمل نمطي ضمن قطاع اقتصادي محدد، حيث أشارت الدراسات والمسوح السكانية إلى ارتفاع نسبة الإناث العاملات في قطاع الزراعة إذ بلغت 39.2 % من مجموع النساء المساهمات في سوق العمل، حسب إحصاءات الربع الرابع للعام 92004 . مما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة بين النساء، ففي الجدول التالي يوضح متغيرات معدلات البطالة بين النساء في الأعوام الأربعة التالية:

وعند مقارنة النسب مع الأعوام الماضية نجد معدلات البطالة للنساء حافظت على معدل ثابت لها. وهذا له أسباب متعددة منها عدم وعي النساء حول أهمية التسجيل كباحثات عن عمل، لذلك نجد العديد من النساء الباحثات عن عمل غير معترف بهن أو غير مسجلات ضمن كادر البطالة.

و يؤثر زواج الفتاة في سن مبكرة سلبًا على الناحية الصحية لها ولطفلها، خاصة أن الزواج يقترن بالإنجاب، حيث أن ثلث النساء في فلسطين ينجبن مولدوهن الأول في العمر كما - 18 سنة أو أقل، بينما الثلث الثاني ينجبن مولدوهن عند العمر بين19 و 20 سنه. 11 أشارت بعض الدراسات الى أن معدل الوفاة بين الأمهات الصغيرات أعلى ستة أضعاف، من الأمهات اللاتي يلدن في العشرينات من العمر 12. حيث أشارت الإحصاءات الرسمية، إلى ازدياد احتمالية وفاة الأطفال، للسيدات المتزوجات في سن أقل من عشرين سنة، في حين نجدها أقل للسيدات اللاتي ينجبن فوق 20 سنة 13 .و لذلك تحتل مسألة حمل، وأمومة المراهقات درجة بالغة الأهمية، لأن ذلك يكون مرتبطًا بازدياد مخاطر مرض، ووفاة الأم والطفل، بسبب تعرضهما إلى مشاكل صحية خطيرة، مثل: الإجهاض، والولادة المبكرة، الاكتئاب ما بعد الولادة، وتسمم الحمل، وفقر الدم، وغيره، خاصة عندما نعلم بأن نسبة الفتيات المراهقات المصابات بفقر الدم عالية، في الأراضي الفلسطينية 14 . فقد أثبتت إحصاءات وزارة الصحة الفلسطينية أن: 61.7 % من النساء المراهقات في فلسطين، مصابات بفقر الدم.15 (Anemia

كما يؤثر زواج الأقارب على صحة وسلامة الأطفال حديثي الولادة، وعلى ظهور العديد من التشوهات الخلقية والأمراض الوراثية بين الأطفال، فقد أظهرت الأدبيات أن زواج الأقارب هو الأكثر انتشارًا بين النساء الأصغر سنًا وبالتالي الأقل تعليمًا، فقد أظهرت نتائج الدراسة التي أجريت على المجتمع الفلسطيني في غزة أن 60 % من المتزوجات في سن 15 سنة قد تزوجن من أقاربهن.

وللزواج المبكر أثر كبير، على العلاقة بين المرأة وأفراد الأسرة، إذ تسكن غالبية النساء المتزوجات مبكرًا، مع أهل الزوج، وتكون فرصة اختيار المسكن مرتبطة بوضع الزوج المادي، ورغبته، أو رغبة أهل الزوجة. لذلك تكون فرصة المرأة في المشاركة في اختيار مكان السكن المناسب محددة. ومن هنا نستطيع أن نحدد كيفية اتخاذ القرارات، فالفتاة للمتزوجة في سن المراهقة، في أغلب الأحيان لا تعطى فرصة المشاركة في العديد من القرارات المتعلقة بحياتها وبصحة، وسلامة أسرتها. كما أنه يجعلها عرضة في بعض الأحيان إلى سوء المعاملة والعنف، النفسي، والمادي من قبل أفراد العائلة.

وهذه المشاكل التي تواجه "المرأة الطفلة- إن صح التعبير- غالبًا ما تؤدي إلى فشل الحياة الزوجية، أو استحالتها، فتكون النهاية إما بالطلاق، أو بتقديم تنازلات غير ملائمة، وفي كلتا الحالتين تزداد معاناة المرأة. فقد أثبتت الدراسات أن 93.9 % -من نسب طلاق التي سجلت لدى المحاكم الشرعية، كان عمر الزوجة المطلقة يتراوح بين 15و 19 سنة، وهذا إن دل على شيء، إنما يدل على أن الزواج المبكر، هو أحد أسباب الطلاق .فقد سجلت الإحصاءات الرسمية أن أعلى معدلات الطلاق، لدى الإناث، في الأراضي الفلسطينية، للعام 2001 ، للفئة العمريه 15 - 19 سنة، بلغت: 29.5 %، ويوضح الشكل التالي نسب وقوعات الطلاق للأعوام الأربعة:

جدول رقم ( 2) معدل وقوعات الطلاق للإناث في الفئة العمرية (15-19 سنه) في الأراضي الفلسطينية حسب السنة 18:

السنة  2001              2000                  1997                 1998                  1999                 

النسبة %23.9          %24.3               %24.9                %23.6               % 24.6           


ونلاحظ من هذه النسب المدونة في الجدول، أن حالات الطلاق المسجلة لدى المحاكم الشرعية، هي حالات طلاق ناتجة عن زواج مبكر، ونلاحظ أن نسب الطلاق هذه حافظت على معدل ثابت لها خلال الأعوام السابقة، وهذا يدلل على استمرارية التزويج المبكر.


والسؤال هنا ما هو دور المؤسسات الرسمية، والمحلية، والقانونية في الحد من ظاهرة الزواج المبكر؟ ! حيث أعدت العديد من المؤسسات التنمية المجتمعية، العديد من ورشات العمل، والندوات، الهادفة إلى بث الوعي المجتمعي بأهمية تأخير سن الزواج لدى الفتيات .أما بالنسبة إلى دور المؤسسة القانونية والمتمثلة في المجلس التشريعي فقد كانت ردة فعلهم لا تتناسب مع المخاطر التي يخلقها الزواج المبكر، فقد اعتبر 42 % من أعضاء المجلس
التشريعي، أن قضية الزواج المبكر ليست مشكلة حقيقية، في حين امتنع 17 % عن الإفصاح عن رأيهم 19 وفي هذا المضمار لا بد من التنويه هنا بأن وزارة شؤون المرأة ممثلة بالسيدة الوزيرة زهيرة كمال، عقدت اجتماعًا مع سماحة الشيخ تيسير التميمي في مقر الوزارة،

بتأريخ:14/7/2004 ، وتم الاتفاق بين الطرفين على إصدار مذكرة من شأنها رفع السن قانوني للزواج. واتفقوا على ضرورة تضمين مشروع قانون الأحوال الشخصية الذي رفع لديوان الفتوى والتشريع على رفع سن زواج الفتاة إلى 18 سنة شمسية على الأقل.

وفي الختام تبين أن العوامل الاجتماعية والاقتصادية، هي من أهم المؤشرات الدافعة بشكل كبير للتزويج الفتاة المراهقة. وهذه العوامل لا يمكن القضاء عليها جملة، بل يمكن العمل على الحد منها، عن طريق الضغط على المشرع لاتخاذ سياسات وقوانين، لحماية المرأة، وإعداد خطة تنموية شاملة تهدف إلى القضاء على عوامل ومسببات الزواج المبكر، لما له انعكاسات سيئة وخطيرة على صحة وسلامة المرأة المجتمع الفلسطيني، ويقف حائلا في وجه تنفيذ الخطط الوطنية، بالحلم في إيجاد مجتمع فلسطيني متطور، ومتقدم يحترم ويحافظ على حقوق الإنسان في التعليم والتطور. ولعل أهم التوصيات الناتجة عن هذه الورقة تكون بالحرص على:

•  رفع سن الزواج إلى 18 سنة شمسية.

 • جعل التعليم إلزامي حتى المرحلة الثانوية.
 
 • اتخاذ إجراءات قانونية للحد من التسرب من المدارس، ومعاقبة كل من يخالف القوانين.

 • غطاء قانوني يضمن مشاركة للإناث في جميع نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية، والسياسية.

 • تضمين النوع الاجتماعي في المناهج المدرسية، وتغيير الصورة النمطية.

للدور الذي تقوم به المرأة والتشجيع على التعليم المهني والتقني.

• التركيز على دعم برامج التوعية المجتمعية للأسر، لتوضيح أهمية تعليم الفتيات، وخاصة المهن غير التقليدية.

 

 

 
 
 
 
 
 
 
إتصل بنا
هاتف : +972(4)6462138
قاكس : +972(4)6553781
[email protected]