مقالات ودراسات

 

ظاهرة تعدد الزوجات ليست قصرية على المجتمع العربي, بل هي موجودة ومنتشرة في العالم بأسره. بحيث يكون هدفها الأساسي عادة تعظيم الاعتبار الرجولي للزوج ورفع قدره واحترامه الاجتماعي.

في هذه المقالة سيتم تسليط الضوء على التداعيات والاسقاطات الاجتماعيه والنفسية لظاهرة تعدد الزوجات على المرأة,الاولاد والاسرة ككل. بحيث تشير الابحاث الى وجود تأثيرات سلبية عديدة على افراد الاسرة المتعددة الزوجات , من اهمها التعقيدات والصعوبات النفسية , الاجتماعية والاقتصادية  التي تلحق بالام والاولاد.

 عند الحديث عن تعدد الزوجات في مجتمعنا الفلسطيني , لا يمكننا ان نغض النظر عن كونها ظاهرة اجتماعية مبنية على  ألمفاهيم وألعادات  ألتي تمجد ألذكور وتقمع المرأة وتنظر اليها كأداة للانجاب. ان البنية الابوية لمجتمعنا العربي والواقع ألرجولي ألسياسي ألمركب  أعاقت وتعيق ألخروج من ألمفهوم ألقمعي للمرأة, بحيث انه لا بد الا ان نأخذ بعين الاعتبار منابع نشوء هذة الظاهرة والتي تتمثل بالمفهوم الشمولي للقمع السياسي, الاقتصادي, النفسي, ألعاطفي , الاجتماعي والثقافي. فالسلطة تقوم بقمعنا كأقلية ونحن نقوم بعملية القمع الداخلي المبنية على فرضية قمع القوي للضعيف,  وفي هذه الحالة قمع ألرجل للمرأة, حيث ان استخدام اداة الزواج بامرأة ثانية يكون من أشد انواع القمع وطأة على ألمرأة مما يؤدي الى طمس معالم انسانيتها, احاسيسها, حقوقها وكينونتها. مع الاسف , فان احدى ادوات القمع في هذه الحالة هي المرأة نفسها ألتي قبلت بقمع امرأة أخرى لتكون ضحية أخرى لمفاهيم المجتمع  الذي يصنع منها امرأة خائفة تريد ألقبول بأي شيء وأي وضع يمليه عليها المجتمع والرجل, مما يجعل التعامل مع قضية تعدد الزوجات اكثر تركيبا.

بينما يتفق المجتمع الدولي حول وجوب منع هذه الظاهرة والحد منها كونها تمس بشكل كبير بالمرأة والاطفال الذين يولدون لاب متزوج من عدة نساء, وبالرغم من أن  المعاهدة ألدولية للقضاء على كافة اشكال التمييز ضد ألمرأة لم تتطرق بشكل مباشر الى ظاهرة تعدد الزوجات فقد أقرت لجنة الامم المتحدة للقضاء على التمييز ضد المرأة ان تعدد الزوجات يتناقض مع البند السادس عشر للمعاهدة الدولية , وألذي يعنى بحق المرأة في المساواة مع الرجل في الحياة الاسرية والزواج , كما وارتأت اللجنة أن ظاهرة تعدد الزوجات تشكل عبئا ماديا ونفسيا على المرأة وأطفالها وطالبت الدول التي صادقت على المعاهدة بمنع هذه الظاهرة والحد منها, ومع هذا نرى أن الظاهرة لا زالت مستشرية في مجتمعنا دون حسيب ولا رقيب بالرغم من أن القانون ألاسرائيلي يعتبرها مخالفة جنائية الا أنه لم يسعى الى تطبيق القانون.

وفي ظل الشرعنة الاجتماعية والثقافية لهذه الظاهرة وفي ظل عدم تطبيق القانون يتم انتهاك حقوق النساء والاطفال بشكل علني دون اي محاولة لمد يد العون لهؤلاء النساء الواقعات تحت ظلم الرجل والمجتمع , لنجدهن يعشن بين نوبات المشاعر السلبية التي تنتابهن بعد مرحلة الصدمة النفسية العنيفة وغالبا ما تهيمن عليهن ردود الفعل الهستيرية  المرتبطة بمشاعر الرفض والانكار, الغضب,  الشعور بالدونية, الاضطهاد, الاذلال, الاهانة والنقص, تذنيب ألذات –بأنها هي السبب بزواج زوجها من اخرى وانها فشلت بالقيام بدورها كزوجة- , انعدام القوة والشعور بالانكسار النفسي والاجتماعي, الاكتئاب ,القلق , اضطرابات الأكل, وفي العديد من الحالات الإصابة بأمراض سيكوسوماتية. وفي نهاية المطاف "يبدون" كمن قبلن الواقع ورضخن له محاولات التكيف مع الواقع العنيف. بالاضافة الى الالم ألنفسي ألقاسي الذي تعانيه ألمرأة نجدها موضع اتهام من قبل المجتمع, الذي يراها كمن فشلت بالقيام بدورها والحفاظ على زوجها مما ينعكس ايضا على اهتزاز موقعها داخل الاسرة.

 وبينما يقوم الرجل بالتزوج من ثانية وثالثة فهو لا يقوم فقط باضاعة وانتهاك حقوق المرأة واستقرارها ألعاطفي وألنفسي بل ويضرب بعرض الحائط حق أبنائه بالتمتع بالابوة والنمو ألنفسي وألعاطفي المستقر ليصل به المطاف بالتعامل معهم كعاله اقتصادية وعاطفية.

تشير العديد من الدراسات الى اهمية دور الاب في التنشئة الاجتماعية وفي تطور شخصية ألابن واستقراره العاطفي وألنفسي , حيث أن الطفل يتأثر بشكل مباشر من اسرته ومما يجري بها , الامر الذي يجعله في العائلات المتعددة الزوجات يعاني من  الاضطرابات  النفسية والسلوكية , النابعة من الشعور بالارتباك, البلبلة, عدم فهم ووضوح مبنى العائلة و العلاقات الاسرية مما ينعكس على المجال التعليمي, فنراه يعاني من صعوبات سلوكية وتعليمية المتمثلة  بعدم الانضباط , الحركة الزائدة العراك بين الاخوة, صعوبات بالتركيز, علاقات متضعضعة مع الزملاء والمعلمين , غيابات متكررة, الترطيب الليلي, التأتأة والكذب المتكرر  على الأهل والمسئولين في المدرسة. بالإضافة إلى تصورهم السلبي لانفسهم الناتج عن عدم تمكنهم من الحصول على الاهتمام الكافي من الاهل نتيجة لكثرة عدد الاطفال بالعائلة.

بعد التمعن ملياً في الإسقاطات النفسية والاجتماعية المجحفة والصارخة التي تنبع من تعدد الزوجات , لا يمكن  التطرق إليها فقط كظاهرة  اجتماعية دون ربطها بالمعني الجنائي والجرمي الذي تحدثه ولا يمكن تجريدها من الوقع الغير انساني النابع من استهتار المجتمع  لتبعاتها وتأثيراتها ليتعامل معها في العديد من الاحيان على أنها احدى المزايا الاجتماعية الايجابية واعتبارها عامل مهم لتوسيع  الروابط العائلية,  زيادة نسل العائلة وقوتها الاقتصادية والاجتماعية , التعامل معها كسلاح قومي, واسلوب لحماية الارامل والمطلقات ومن فاتهن قطر الزواج!

بينما تصل نسبة العائلات المتعددة الزوجات في النقب الى 25 % , نرى وزارة الرفاه الاجتماعي مشغولة باقتراح خطة علاجية تدخلية لعلاج عيني غير جوهري وغير شامل لافراد العائلات المتعددة الزوجات  وبدورها تقوم بشرعنة الظاهرة والتعامل معها كصعوبة نفسية لمجموعة ثقافية ذات خصوصية وحساسية اجتماعية متجاهله كونها جريمة اجتماعية وقانونية. من هنا فهنالك حاجة للمباشرة بمشاريع وقائية, ناجعة, ملموسة وجوهرية لخلق مجتمع واع ورافض لشرعية هذه الظاهرة.

 إن العمل للحد من هذه الظاهرة هو مسؤولية جماعية, التي تنطلق من الأسرة والوالدين لتمتد للدولة والمجتمع ومؤسساته المختلفة ونوعية الخدمات التي تقدمها للافراد في داخله.

هناك حاجة ماسة لخلق وتكثيف حوار مجتمعي رافض لتعدد الزوجات  ومن هنا تأتي الحاجة الى تكثيف الدور الاعلامي لمناقشة الظاهرة والعمل على ابراز اسقاطاتها على المرأه وعلى المجتمع ككل. ان العمل الشمولي لمعالجة الظاهرة والذي يعتمد في صلبه على تطبيق القانون الجنائي الذي يمنع تعدد الزوجات في اسرائيل وتدعيم المرأة اقتصاديا وثقافياُ لتكتسب استقلالاً اقتصادياً وفكرياً والذي من شأنه رفع مكانتها في المجتمع وليكون حجر اساس لمواجهة النساء والمجتمع للظاهرة وعدم القبول بالدخول في اطر الزواج المتعدد وبالتالي الحد من استمرارية هذه الجريمة!

 

 
 
 
 
 
 
 
إتصل بنا
هاتف : +972(4)6462138
قاكس : +972(4)6553781
[email protected]