مقالات ودراسات

 

مقدمة

يعتبر تعدد الزوجات واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل ضمن رزمة القضايا المختلفة المتعلقة بالمرأة وحقوقها، وبالرغم  من انحسارها منذ بداية القرن العشرين, إلا انها عادت لتنعتش ابتداء من سبعينيات القرن الماضي،وهي تعود اليوم لتتصدر القضايا المتعلقة المتعلقة بالمرأة, حيث تظهر الإحصائايات ازديادا ملحوظا في السنوات الاخيرة في إعادة إحياء هذه الممارسة في الشرق الأوسط والمجتمعات الإسلامية وفي مناطق أخرى عديدة من العالم (Yamani,2008).

وفي حين يتم رصد مؤشرات عديدة في المجتمع الفلسطيني في إسرائيل في "إعادة إحياء " لهذه الممارسة في مختلف مناطقه وشرائحه الإجتماعية فقد جاءت هذه الدراسة للبحث في منابتها, العوامل التي تولدها وتكرس وجودها, والسياق الذي يشجع تناميها او يعيق انتشارها. لقد تطرقت جل الدراسات التي بحثت ظاهرة تعدد الزوجات بين الفلسطينين في إسرائيل على العرب البدو في منطقة النقب, حيث تنتشر الظاهرة بشكل بارز وتقدر نسب انتشارها بما يراوح بين 20-36%[1]. وقد تعاملت هذه الدراسات مع العرب البدو كمجموعة انتماء منفصلة عن المجتمع العربي، كما تعاملت معظم هذه الدراسات مع قضية تعدّد الزوجات بمنظار استشراقي، لتعزو بذلك أسباب هذه الظاهرة إلى الثقافة البدوية السائدة ومنظومة العادات والأعراف المتبعة لدى البدو، من دون الخوض في الواقع السياسي، الاقتصادي والاجتماعي وتأثيراته المركبة عليها، ومن دون التطرّق إلى السياسات العنصرية المنهجية وإلى القمع المؤسساتي، وتأثيرها على واقع النساء الفلسطينيات، بدويات كنّ أو ريفيات أو حضريات. وجاءت غالبية هذه الدراسات كمية، حصرت البحث في المقارنة بين الزوجة الأولى والزوجة الثانية، من حيث الوضع النفسي.( (Alekrenawi, 1999,Alkrenawi & Lightman 2000,Alkrenawi 2001) وهو ما جعل النتائج مبتورة وغير شموليّة.

ورغم عدم وجود إحصائيات دقيقة عن نسب تعدد الزوجات في المجتمع العربي في إسرائيل, تبقى النسب الموجودة في النقب وفي مناطق اخرى احصائيات تقديرية لا تعكس الواقع الحقيقي[2]. وتعود هذه الإشكالية الإحصائية الى كون ممارسة تعدد الزوجات مخالفة جنائية حسب البند 176 من القانون الجنائي الإسرائيلي, وعقوبتها السجن لمدة أقصاها خمس سنوات. لذلك يقوم غالبية الأزواج المتعددي الزيجات من خلال الالتفاف على القانون, عبر عدم تسجيل الزواج في دائرة السكان والإكتفاء بعقد زواج خارجي يعقد بحضور شهود ويثبت في كثير من الحالات في المحكمة الشرعية[3] (أبو ربيعة،2008). ). فيُعتبر هذا العقد، حسَب الشريعة الإسلامية، عقد زواج شرعيًّا، بينما يُعرّف حسَب القانون الإسرائيلي كزوجين يعيشان معًا من دون زواج.[4] تطبيق العقوبة غير قائم تقريبًا، ويعود هذا الأمر، أوّلاً، إلى الثغرة القانونية في مبنى القانون، والتي لا تتيح المخالفة طالما لم يظهر أنّ الزواج مسجّل رسميًّا. غير أنّ هذا العامل ليس الوحيد في تنفيذ القانون، بل يبقى العامل الأكثر حسمًا في تعامل مؤسسات الدولة وعدم قيامها بفرض القانون باعتبار تعدّد الزوجات ممارسة تتعلّق بـ"الثقافة" الخاصة، والتي لا داعي للتدخّل فيها. وبذلك يتمّ باسم "الحساسية الثقافية" تجاهل هذه المخالفات، في الوقت الذي لا تجد فيه هذه "الحساسية" مكانًا لها في سياسات هدم البيوت ومصادرة الأراضي وسائر الممارسات التعسّفية الأخرى، التي تمارسها الدولة تجاه المواطنين العرب. ومن هنا تأتي أهمية بحث ظاهرة تعدّد الزوجات في المجتمع الفلسطيني في دولة إسرائيل، آخذًة بالاعتبار القمع المتعدّد المستويات الذي يُمارَس ضدّ النساء الفلسيطينيات، أوّلاً من قبل الدولة وسياستها المنهجية العنصرية ضدّ الأقلية الفلسطينية، وثانيًا القمع الأبوي الذي يُمارَس عليهنّ من قبل مجتمعهن.

 

منطلقات البحث:

ينطلق البحث في الأساس معتمدا على منهجية البحث النوعي والذي اعتمد على إجراء مقابلات معمقة مع نساء ورجال يعيشون في منظومة زوجية  بهدف فهم الديناميكيات التي يحتويها هذا النسق من الحياة العائلية وتحليله ودراسته من وجهات نظر الأفراد الموجودين داخل هذه المنظومة, ليفسح المجال أمام المشاركين والمشاركات في الدراسة لصياغة وجهة نظرهم/نّ, مواقفهم/نّ وطرق تعاطيهم/نّ معها بلغتهم/نّ وكما يعبرون عنها هم/هنّ لا كما يتم تداولها عن بعد، لترصد بذلك مقولاتهنّ وتفسيراتهم/نّ واسلوبهم/نّ وطرائقهم/نّ في صياغة هذه الوضعية، وفي التعاطي معها. بينما تتم دراسة المواقف المجتمعية في المستوى  الثاني من هذه الدراسة تجاه هذه الظاهرة والتفسيرات التي يوردونها من خلال حوارات داخل عدد من المجموعات البؤرية المختلفة من شرائح مختلفة من المجتمع.

وينطلق البحث، ثانيا، في تخصيص حيّز مركزي للنساء اللواتي يعشن في منظومة متعددة الزوجات: زوجات قام ازواجهن بالزواج بامرأة اخرى، وزوجات ثانيات قمن بالزواج برجال متزوجين. ويأتي هذا التخصيص كجزء من محاولة كسر التوازنات القائمة المبنية على " إخراس" النساء في مجتمع ذكوري، يهيمن فيه صوت الرجل باستمرار، وكذلك لإفساح المجال أمام الزوجات "الثانيات" كأفراد وكمجموعة، تحمل تصوراتها، وأسبابها ومواقفها وصياغاتها لهذه المنظومة. يؤكد بذلك البحث على إعطاء الحيّز المركزي للنساء أساسا ليموضعهن في مركز البحث كذوات يعبرن عن انفسهن, فلا يبقيهن كموضوعات يتم التحدث عنهنّ. وهو بذلك يكون بحثا ليس عن النساء بل معهن، آخذا بعين الاعتبار الأنماط الحياتية المتعددة التي تم إلقاء الضوء عليها, سواء في المقابلات المعمّقة أم في المجموعات البؤرية ومنسجما مع المنطلق الذي يؤكد التعدد وفهم التجربة الإنسانية, وفرادة النساء (وكذلك الرجال) والابتعاد عن " جوهرة المرأة" وتجنب  الاندراج في النمطية في الانساق وفي الادوار الاجتماعية.

 وبقدر ما ينطلق البحث في استظهار  تنوع الممارسات والعمليات وفرادتها فإنه كذلك يحرص الى الوصول لترسيم بنيوي للمعيش النسائي عبر محاولات اختراق هذه النمطية ولكن دون إهمال الخطاب الثقافي وما يحمله من تصورات  شعبية عن دور الرجل والمرأة وعن الزواج وتعدد الزوجات والتي كما تشير ويب (2002:20) لا جدوى من نفي حقيقتها بكل بساطة والتطلع الى تجاوزها لأن رفض الاشتباك معها هو بمثابة تجاهل او استهانة بسطوة القيم الثقافية السائدة, التي تثبت في سائر المجتمعات أن مقاومتها, عموما، أصعب من اسيتعابها، ولا بد من الإشارة هنا الى أن اعتماد المقابلات المعمقة والمجموعات البؤرية لا يفضي الى اعتبار هذا البحث شاملا وممثلا لكل حالات الزواج المتعدد الزوجات, ولكل المواقف المجتمعية المتعلقة بها، بقدر ما يفضل اعتباره مساهمة في استشراف قضية تعدد الزوجات بمنظار مختلف عن السائد، وفي سد فجوة معرفية ما زالت فارغة.

منهجية البحث:

لقد اتّبع البحث أسلوب البحث النوعيّ، حيث اعتمد في المستوى الأول منه المقابلات المعمّقة مع اثنتي عشرة امرأة يعِشن في منظومة زواج متعدّد الزوجات، ثمانٍ منهنّ زوجات قام أزواجهنّ بالزواج من بعدهنّ بامرأة أخرى، وأربع نساء قمن بالزواج برجال متزوّجين. أمّا الرجال فقد تمّت مقابلة سبعة رجال يعيشون في منظومة زوجية متعدّدة الزوجات. أجريت هذه المقابلات مع رجال ونساء من مختلِف المناطق الجغرافية في البلاد. توزّعت المقابلات التي أجريت مع النساء كالتالي: أربع مقابلات مع نساء من منطقة النقب، خمس مقابلات مع نساء من منطقة الجليل المركزي، مقابلتان مع امرأتين من منطقة الجليل الشمالي، ومقابلة مع امرأة من منطقة المثلث. أمّا الرجال فقد تم إجراء ثلاث مقابلات مع رجال من منطقة النقب، وثلاث مقابلات مع رجال من منطقة الجليل ومقابلة واحدة مع رجل من منطقة المثلث. وفي المستوى الثاني، تم إجراء خمس مجموعات بؤرية مع شرائح مختلفة من المجتمع، تركّزت، في الأساس، بين النساء، وقد تضمّن جزء منها مجموعات محلية، حيث كانت المشارِكات من المنطقة الجغرافية نفسها، كما كانت هناك مجموعة أخرى قطرية، حيث ضمّت مشاركات من مناطق مختلفة من البلاد. وبذلك، فقد أجريت مجموعة بؤرية لنساء عزباوات في مدينة الناصرة، مجموعة بؤرية لنساء ربّات بيوت من منطقة المثلث والجليل، ومجموعة ربّات بيوت في قرية اللقية في النقب، ومجموعة ربّات بيوت في مدينة الناصرة، ومجموعة عاملين/ات اجتماعيين/ات في منطقة الناصرة. وقد هدفت المجموعات البؤرية إلى فحص المواقف والآراء المتعلقة بتعدّد الزوجات وتحليل الخطاب السائد في المجتمع الفلسطيني فيما يتعلق بهذه القضية، وتراوح عدد المشاركين/ات في كل مجموعة ما بين 15-20 مشاركا/ة وتجاوز هذا العدد في بعض المجموعات.

المحاور المركزية في المقابلات التي أجريت مع النساء:

1) الخلفية العائلية للزوجة قبل الزواج: مولدها، نشأتها، طفولتها، الموارد والإمكانات والفرص التي أتيحت لها تعليميًّا ومهنيًّا.

2) قصة الزواج: قرار الزواج، مفهومها للحياة الزوجية، حياتها الزوجية، الاستقلالية الاقتصادية والاجتماعية التي تتمتّع بها، مستوى المشاركة ودورها في اتخاذ القرارات المتعلّقة بحياتها الزوجية.

3) الزوجة الأولى- العيش كامرأة لزوج له زوجة/ات أخرى/يات: الأسباب التي تعزوها النساء لزواج أزواجهنّ، وردّ فعل الزوجة على قرار زوجها الزواج من امرأة أخرى، وموقفها في التعاطي مع الواقع.

4) الزوجة الثانية- الأسباب التي دفعت الزوجة الثانية للقبول بالزواج من رجل متزوّج، وكيفيّة اتخاذ القرار بالزواج من رجل متزوّج: دوافعه، من شجّع؟ من عارض؟ من اتخذ القرار؟

5) الصعوبات الذاتية والمجتمعية التي تواجهها النساء بعد الزواج، وموقف المحيطين بها من وضعيّتها، وتأثيره في تعاطيها مع هذه الوضعية.

6) انعكاس هذه الصعوبات على الحياة الأسرية وعلى الأطفال.

7) العوائق التي تقف في وجه النساء في التصدّي لهذه الوضعية، والموارد التي تحتاج إليها النساء والتي من الممكن أن تمكّنهنّ من مواجهة هذه الوضعية بطرق مختلفة (من وجهة نظر النساء أنفسهنّ).

المحاور المركزية في المقابلات التي أجريت مع الرجال:

1)      الخلفيّة العائلية والاجتماعية: مولده، طفولته، نشأته والموارد والإمكانيّات التي أتيحت له مهنيًّا وتعليميًّا. موقعه الاقتصادي والموارد المادية التي يملكها كرجلٍ وكزوج.

2)      قرار الزواج الأوّل، ومفهوم الزواج والحياة الزوجيّة لديه.

3)      موقف الرجل من تعدّد الزوجات ومن تعدّد زوجاته بشكل خاصّ، والدوافع التي يعزوها الزوج لقرار زواجه الثاني؟ العوامل التي شجّعته على اتخاذ هذه الخطوة.

4)       موقف المجتمع من قراره، مَن شجّعه؟ مَن حاول التأثير عليه للعدول عن هذه الخطوة؟ موقعه الاقتصادي والموارد المادية التي يملكها كرجلٍ وكزوجٍ وتأثيرها في اتخاذ قراره.

5)      العيش كزوج لعدّة زوجات: الامتيازات والصعوبات التي يواجهها كزوجٍ وأب، ورأيه في مدى تأثير تعدّد زيجاته على حياته الأسرية وعلى الأطفال.

 

المحاور الأساسية في المجموعات البؤرية:

1)      موقف المشاركين/ات من تعدّد الزوجات.

2)      الأسباب التي يرون أنّها شرعية ومقبولة لتعدّد الزوجات، ومدى تقبّلهم/نّ لهذه الأسباب.

3)      الشروط التي يعتقدون أنّها في حال وجودها تمكّن من إقامة عائلة متعدّدة الزوجات وتجعلها أمرًا أسهل.

4)      موقف المشاركين/ات من القانون الإسرائيلي الذي يمنع تعدّد الزوجات ومن الشريعة الإسلامية التي تجيز تعدّد الزوجات.

5)      موقف المشاركين/ات من قضايا أخرى تتعلّق بحقوق النساء، كالتعلّم، العمل، الحرّيات الشخصيّة.

 

نتائج البحث:

سيتم  في هذا الجزء عرض جزء من نتائج البحث وتسليط الضوء على أكثرها أهمية، بحيث يتم التشبيك بين المقابلات المعمقة والتجارب الشخصية للأفراد المتواجين في منظومة زواج متعدد الأفراد  وبين المواقف المجتمعية بخصوص هذه الممارسة والتي وردت في المجموعات البؤرية.

المقابلات مع النساء:

الأسباب التي تعزيها النساء لزواج أزواجهن:

تظهر النتائج أن النساء المشاركات عزت الأسباب التي دفعت أزواجهن بالزواج بنساء أخريات لثلاثة أسباب. السبب الأول كما وصفته بعض الزوجات نابع من انعدام النضوج في التعامل مع التزامات الحياة العائلية والتهرب من الصعاب التي تعترض الحياة الزوجية ، معتبرات زواج أزواجهن خيانة وإمتهان لكرامتهن. تتيح إمكانية تعدّد الزوجات، كما أشار القريناوي وويزيل (Alkrenawi & Lev-Wiesel, 2002)، للرجال التصرّف حسب رغباتهم الآنية عندما يتعلّق الأمر بالعائلة والزواج، فخيار الزواج من امرأة أخرى يعني تجاهل المشاكل الزوجيّة، كالخلافات حول الأدوار والوظائف وتقسيمة العمل بينهما، وحول العلاقة الجنسية والمشاكل المادية. مشاكل كتلك لا شكّ أنها تولّد مشاعر سلبية لدى الطرفين، وتجعل الكثير من الرجال، في ظلّ إتاحة خيار تعدّد الزوجات، يهربون من التعامل مع هذه المشاكل وطرحها والعمل على حلّها.

أما السبب الثاني فقد تمحور في عدم الإنجاب او عدم إنجاب الذكور. في مجتمع تكون العائلة فيه هي المؤسّسة المركزية في حياة الأفراد، ومنها يستمدّ الفرد الحماية والبقاء، يصبح الهدف الأسمى توسيع العائلة كآليّة لتوسيع السيطرة والنفوذ لتكون النساء والأطفال ضحاياها.

وعن هذا تقول "زهرة" التي انجبت بنتا واحدة ليقوم زوجها بالزواج من امراة اخرى:

"قلتله روح  اللي بدك اياه تعمله اعمله، هاي البنت كافية وزيادة بدك تضل متلي ضل، ما بدك انت حر, قال لي انا بدي اتجوز وبدك تدوري لي على عروس".

أمّا السبب الثالث فقد كان بحسب بعض الزوجات وتحديدا من منطقة الجنوب، هو تشجيع رجال اخرين لزوجها في الزواج من امراة اخرى على اعتبار أن تعدد الزوجات علامة من علامات الرجولة.وقد تم الإشارة لهذا الجانب في عدة مجموعات بؤرية، ومنها مجموعة نساء النقب حيث اشارت النساء المشاركات الى الضغط الاجتماعي الذي يواجهه الرجال من قبل رجال اخرين من أجل الزواج بامرأة اخرى كأحد الأسباب التي تقف وراء قيام الرجل بالزواج من امراة اخرى وقد عبّرت إحدى المشاركات في المجموعة بقولها:

"بصيروا الزلام يشجّعوا بعض، بقولوا لواحد مثلا إذا بتتجوّز الطقم علينا أو إذا بتتجوّز بعطيك ألف دولار وإذا بقول ما معي مصاري بصيروا يقولوا أنا مني ألف وواحد تاني بقوله أنا الطقم علي وأنا بجيب بدلة العريس يعني بدعموه المهم بس يتجوّز .. والزلمة إذا ما بروح يتجوز بصيروا يقولوا حاكمتك مرتك وحصلت يعني إنه راح واحد تجوز بس لإنه الزلام هيك بلّشوا يحكوله".

في سياق يعيش فيه الرجل العربي بعيدًا من مصادر القوّة الحقيقيّة، سواء الاقتصادية منها أو السياسيّة. يعود الرجل العربي الجريح والمقصى سياسيًّا للبحث عن رجولته الضائعة في الحيّز الخاص، وللتعبير عن جنسانيّته بمطلق ذكوريّتها. وبذلك، يشتري الرجل وهمَ السيطرة في سياق يعيش فيه في الحقيقة عاجزًا. ويدخل في لعبة دور المسيطر ويعبّر فيها عن سلطته وتسلّطه اللذين لا يجد لهما مكانًا في الحيّز العام. ويصبح "الرهان" على النساء والقدرة على تنفيذ هذا الرهان العلامة التي تثبت هذه الرجولة المفقودة.

وفي التطرق للأسباب التي عزتها الزوجات الثانيات لقبولهن الزواج برجل متزوج فقد كانت ثلاثة. يتلخص السبب الأول في الخلاص من السلطة الأبوية والحاجة لحب والذي عبرّت عنه احدى المشاركات التي تقدمت في العمر والتي بقيت عائلتها وتحديدا الذكور منهم يتحكمون بحياتها ويقيدونها بالرغم من الاستقلالية المادية والإنجازات المهنية العالية التي حققتها. وقد عبّرت عن ذلك " سلمى" قائلة:

" كان في مشاكل مع اخوتي, كان واحد من إخوتي كتير يضايقني، وين رايحة؟ وين جاية؟ أخوي كان قاسي علي, كان يضل يسألني ويتطلع عالساعة ومرّات يضربني, كان ممنوع أتاخر عن البيت ويضل يسأل مين هدا اللي بتصل فيكي؟ وليه هيك شعرك؟".

اما السبب الثاني فتشير اليه إحدى المشاركات بضرورة المرأة في المجتمع لأن تكون متزوجة حتى لو تم اقترانها ب " شبه رجل" ملخصة إياه بالمثل الشعبي " ظل رجل ولا ظل حيطة"، حيث يكون هذا الزواج هو الخيار الوحيد للمرأة المجردة من التعليم والعمل والتي لا تملك استقلالية مادية وتتعامل معها عائلتها كعبء مادي واجتماعي ويكون بذلك خيار الزواج الخيار الوحيد الذي يكسبها مكانة واحتراما ويؤمن لها مصدرا للعيش. وفي  التطرق لخلفيات المشاركات التعليمية والاجتماعية أن معظمهنّ لم يُنهين تعليمهنّ الثانوي (ثلاث من بين المشتركات، فقط، أنهين التعليم الثانوي، ومشتركة واحدة حاصلة على اللقب الأول). وقد تعرّضت نشأتهنّ إلى تمييز مزدوج: قمع المجتمع الأبوي الذي حرم الكثير منهنّ من التعليم والخروج إلى الحيّز العامّ لكونهنّ إناثًا، وقمع الدولة الذي تمثل في حرمان النساء اللواتي ترعرعن في قرًى غير معترف بها من الأطر التعليمية ومن الحق في التعلم. وتعتبر طفولة " شمس" ورحلتها الشاقة من اجل التعلم، أبلغ تجسيد لهذه الحواجز، حيث كانت تضطر هي وزميلاتها السير لمدة ساعة ونصف على الأقدام للوصول لمدرستها في قرية دير الأسد حيث تتعرض لمخاطر جمة خاصة في ايام الشتاء القاسية كادت ان تودي بحياتها واضطرتها فيما بعد التوقف عن التعلم لتبقى بعد ذلك مجردة من شهادة علمية ومن فرصة عمل مناسبة.

 اما السبب الثالث فيتلخص كذلك في المقولة الشعبية الاخرى التي ذكرتها إحدى المشاركات وهي " ختيار يدللني ولا شاب يهيني" والذي جاء نتيجة التجربة القاسية التي مرت بها أحدى المشاركات في زواجها الأول من رجل عنيف قامت بالطلاق منه بعد شهور قليلة، لتقبل بعد ذلك برجل متزوج لم تنجب زوجته.

تتوازى هذه التجارب الشخصية مع ما جاء في حوار مجموعة النساء العزباوات والتي ظهر فيها أكثر من غيرها من المجموعات البؤرية الأخرى أصواتا تشرع تعدد الزوجات وخطابا يميل بشكل أكبر نحو تأييده, انطلاقا من الوضعية الشخصية للمشاركات انفسهن، اللواتي اعتبرن تعدد الزوجات ممارسة تتيح لهن فرصة الزواج بعد ان فاتهن قطار الزواج وأصبح الزواج برجل متزوج هو الخيار الوحيد أمامهن لتأمين سند يدعمهنّ ويؤمن لهنّ احتياجاتهن العاطفية والجنسية والمادية. بالإضافة لذلك يصبح تعدد الزوجات هو الحل الوحيد لنساء تقدمن في العمر في مجتمع يعتبر عذرية المرأة شأنا عائليا، لا خيارا فرديا منغرسًا في صميم القضايا الجنسانية المختلفة، يحرك ويصوغ ويهندس كلّ السلوكيات المجتمعية. وقد تم التعبير عن ذلك في المجموعات البؤرية، حيث تم التعامل مع العذرية كقيمة مقدسة لا يمكن مسّها. يُصبح القبول بتعدّد الزوجات في هذا التوجه دليل عفة ونقاء المرأة، لتعلن إحداهنّ بفخر أنها ترضى الزواج برجل متزوج، لكي لا تكون كصيدقاتها من الفتيات اللواتي يُقِمن علاقات جنسية خارج إطار الزواج مع رجال متزوجين أو عزّاب.

رد فعل المجتمع على تعدد الزوجات من وجهة نظر الزوجات:

لقد ظهر أن غالبية الزوجات يرين ان المجتمع المحيط تقبل زواج ازواجهن وتعامل مع الزوجة الجديدة كزوجة شرعية. وقد تفاوت مستوى هذا القبول من محيط امرأة لأخرى حيث تراوح ما بين بعض التحفظ وبعض القبول ليصل في طرف المحور لتشجيع ودعم كبيرين. فإن اعتبر المجتمع  ان التعدد امر خاطئ وأبدى تحفظه إلا ان هذا التحفظ لا يعني أنهم أيّدوا الزوجة الأولى في طلبها من زوجها تطليق الزوجة الثانية بل تموضع في اقناعها أن الحل لا بد أن يكون في التعايش مع الوضع الجديد وقبول زوجها كرجل له زوجتين. ويظهر ان المجتمع في حالات أخرى يظهر تشجيعا لتعدد الزوجات في حالة عدم إنجاب الزوجة الاولى او عدم إنجاب الذكور إذ يمنح المجتمع الرجل في هذه الحالة ترخيصا مطلقا للتعدد ويكون المحيط العائلي القريب المحفز الأساسي للزوج وهو ما يشكل ضغطا على الرجل للزواج من امرأة اخرى. وعن ذلك تقول "نجوى التي كانت قد انجبت بنتا ثم تبين أنها حاملا حين كان زوجها يستعد للزواج من امراة اخرى:

 "أهله ساعدوا كتير بالتحضير للزواج، حتى في السكن هو ساكن عندهم، ساعدوه ووقفوا معاه كتير بحجة إنه مش رح يضل بدون ولد .. بقولوا إنه إنت بتطولي تتخلفي، تحجّجوا بهاي الحجّة".

لقد اظهرت الحوارات في المجموعات البؤرية نتائج موازية لما تلمسته النساء من تجاربهن الشخصية. ففي حين كانت غالبية المواقف تعارض تعدد الزوجات بشكل عام إلا انها تجتمع في ظهور اراء ومواقف في جميع المجموعات البؤرية تبدي شرعية لتعدد الزوجات في حالات وظروف معينة وعلى رأسها عدم إنجاب الزوجة, مرض الزوجة أو تقصيرها في واجباتها تجاه الزوج. وقد أدى بروز هذه الآراء إلى ظهور الازدواجية والتضارب مما خلق في جميع الحوارات جدلا كبيرا تميز في مناحي معينة بالتناقض والبلبلة. فتارة تظهر مواقف واراء تعتبر تعدد الزوجات ممارسة مرفوضة تعبر عن سيطرة الرجل وانعدام المسؤولية لديه تجاه علاقته الزوجية والعائلية وتارة تلقى القبول وتسوغ للرجل تعدد زيجاته في ظروف معينة وتلقي باللائمة والمسؤولية على النساء.  ومن اللافت للنظر ان هذا التشريع قد لقي له مؤيدين من قبل الرجال المهنيين المشاركين في مجموعة العمّال /ات الاجتماعيين/ات وتحديدا من قبل الرجال المشاركين في الحوار والذين على ما يبدو ما زالوا يتبنون مواقف ذكورية، بينما جاءت مواقف واراء المهنيات من النساء المشاركات جميعهن معارضة تماما لهذا التشريع.

الصعوبات الذاتية والمجتمعية في العيش كزوجة في منظومة زواج متعدد الزوجات:

تظهر النتائج ان النساء يعانين من إهمال مادي وعاطفي صارخين تجاههن وتجاه اطفالهن وأن الألم هو العامل المشترك لجميعهن. وقد تميّزت معاناة النساء المشاركات من النقب بحدة عالية وكن أكثر النساء تضررا من حيث مستوى الإهمال الذي وصفنه. وقد ظهر بشكل صارخ الإهمال المادي والعاطفي الذي تتعرض له الزوجات والاولاد من قبل الازواج الذين تركوا البيت وانتقلوا للعيش مع الزوجة الثانية متنصلين من واجباتهم ومسؤولياتهم المادية والعاطفية تجاه الزوجات والأولاد. لقد اعتبرت معظم النساء ان ازواجهن من وجهة نظرهن في عداد الغائبين او المتوفين واعتبرن انفسهن فعليا مطلقات او أرامل كونهن يتعاملن مع صعوبات الحياة ومسؤولياتها لوحدهن دون وجود شريك حقيقي يتقاسم معهن أعباء ومسؤوليات الحياة . ولا ينحصر هذا الإهمال على الزوجة الاولى وأطفالها بل هو قائم ايضا لدى الزوجات " الثانيات".    وتختصر " نجوى" ذلك بقولها التالي:

" أنا عايشة لحالي...معتبرة حالي ترمّلت".

تشير معظم الزوجات الى غياب الدعم الأبوي والمعنوي والمادي من حياة اطفالهن والى تداعيات هذا الغياب على نفسيات اولادهن وعلى مسار تطورهم الاجتماعي والعاطفي والتعليمي موردات الكثير من المواقف التي يتعرضن لها في الحياة اليومية والتي تتميز بالكثير من الألم والحزن واللوعة. وعند التطرّق لما يتعرّض له الأولاد من تأثيرات نفسيّة بسبب هذه الوضعية تورد "مي" حادثة وقعت لابنتها وهي طالبة في الصف الخامس قبل حوالي سنة فتقول:

 "بنتي قوية، جريئة بتخافش من حدا وما بهمها حدا، استفزّتها بنت بالمدرسة، تخانقت هي واياها قدّام كل أولاد المدرسة، إجت البنت بتقولها روحي ضبّي حالك بكفي أبوي مش متجوز على إمي، بكفي إحنا عايشين مع أبوي، بنتي فقدت عقلها، راحت عالبنت معطتلها شعرها وخرمشتها من وجهها، ما قدرتش تطلع هدا الغضب، قتلتها موّتتها من القتل وانفصلت عن المدرسة ثلاثة أيام ... قدّيش الإشي بوجعهن لحد اليوم".

لقد كان من الواضح ان موقف الزوجة من تعدد الزوجات كظاهرة في العموم والأسباب التي تنسبها لزواج زوجها يؤثر بشكل واضح على تعاطيها مع علاقتها الزوجية. فالزوجة التي اعتبرت تعدد الزوجات ممارسة مهينة تحط من مكانة المرأة واعتبرت ان زوجها قام بالزواج من اخرى تهربا من التعاطي مع صعوبات الحياة الزوجية ومسؤولياته العائلية تبنت موقفا معارضا وثابتا من زوجها انعكس في شكل العلاقة الزوجية التي نشأت بينها وبين الزوج والامتناع عن ممارسة العلاقة الجنسية معه بالرغم من المحالاوت المستمرة من قبله لاستئنافها.اما النساء اللواتي اعتبرن  ان تعدد الزوجات ممارسة مشرعة دينيا للرجال وعادة مجتمعية لا يمكن الاعتراض عليها فقد قمن  بالاعتراض على عدم العدل في تصرفات الزوج. وبذلك فقد حافظت النساء على علاقتهن الزوجية وأبدين رضوخا في علاقتهن بأزواجهن. إلا أن هذا لم يخفف من حدة الألم والمعاناة بل زاد في بعض الأحيان من تمزقهن النفسي وفي التأرجح  بين الرفض وبين الرضوخ، وجعلهن يتنقلن في سلوكهن من طرف لاخر. فتارة تستأنفن حياتهن الزوجية ليتغلب بذلك مفهوم الطاعة الذي يدعو المرأة دائما للامتثال والرضوخ للنظام البطريركي القائم وتارة ترفضن هذا الواقع وتفاوضن أزواجهن لترك الزوجة الاخرى, فيدخلن بذلك في دوامة تعصف بهن وتجعل حياتهن مليئة بالتوترات وعدم الاستقرار.

وكما في المقابلات المعمقة، كذلك الأمر في المجموعات البؤرية لم يظهر أن النساء يملكن تفسيرات مختلفة للآيات القرآنية التي تُجيز التعدّد، بل تعاملن مع هذا التشريع كأمر مسلّم به لا يحمل في طيّاته معان أخرى. وعمليًّا، تُظهر نتائج البحث أنّ النساء في المجتمع لا يملكن وجهة نظر نقدية تجاه التفسيرات المختلفة للتشريع الديني لتعدّد الزوجات، وإمكانية التعارض معه. ويبدو أن النساء يخشين إبداء معارضتهنّ لهذه التفسيرات، وتبنّي تفسيرات أخرى تحدّ من هذا التشريع في ظلّ تنامٍ ملحوظ لخطاب اجتماعي يغلف بغطاء ديني.

العوائق المجتمعية التي تقف أمام الزوجات في كسر منظومة تعدد الزوجات:

 اظهرت النتائج ان العوائق التي تقف أمام النساء في كسر هذه المنظومة الزوجية عديدة وهي ذاتية ومجتمعية يقف على رأسها الخوف من التحول لامرأة مطلقة نتيجة نظرة المجتمع القاسية تجاه المرأة المطلقة والتي تجعل كل واحدة منهن تفضل أن تبقى أمرأة متزوجة لزوج له اكثر من زوجة على أن تصبح مطلقة بكل ما يحمله هذا التوصيف من تداعيات سلبية على مسار حياتها وحياة أطفالها. بالإضافة لذلك يظهر أن النساء اللواتي فكّرن في الطلاق ورغبن في تحقيقه لم يتلقين الدعم من عائلاتهن حيث نصحنهن عادة بعدم اللجوء للطلاق وعملن على اعادتهن لبيوت ازواجهن. بالإضافة لذلك فإن التبعية الاقتصادية للزوج وانعدام الاستقلالية المادية لمعظم النساء كان سببا إضافيا يزيد من صعوبة اتخاذ قرار الطلاق. وقد تمّت الإشارة بشكل محدود إلى التعامل المؤسساتي للدولة، القائم على التمييز بين النساء العربيات والنساء اليهوديات، الذي من المُمكن أن يحرمهنّ من حقوقهن في تلقّي مخصصات الدعم من قبل مؤسسة التأمين الوطني، مقابل ما تتلقاه المرأة اليهودية في حال كونها مُعيلة وحيدة للعائلة، الأمر الذي يزيد من الصعوبات المادية التي تُضطرّ المرأة العربية إلى تحمّل أعبائها بمفردها من دون أن تجد الدعم لها. واخيرا فإن عدم تفعيل القانون الإسرائيلي مخالفة الرجل الذي يمارس تعدد الزوجات يبقى عائقا مركزيا في عدم كسر هذه المنظومة. لقد أظهرت النتائج أن الزوجة التي يقوم زوجها بالزواج من امراة اخرى غير قادرة على التوجه للشرطة لأن هذا الأمر يكبدها ثمنا باهظا يتجسد في نبذ عائلة الزوج لها وطردها وتطليقها.

مقابلات الرجال:

موقف الأزواج من تعدد الأزواج والأسباب التي يعزونها لتعدد زوجاتهم:

في التطرق للأسباب التي دفعت المشاركين من الرجال لتعدد الزواج يظهر بعدان: الأول هو الإجماع التام من جميع المشاركين على شرعية هذه الممارسة معتمدين بذلك على التشريع الديني الذي يجيز التعدد للرجل. ينطلق بذلك الرجال من كون تعدد الزوجات هو حق لهم وممارسة مقبولة. اما البعد الثاني فيتمثل في انطلاقهم جميعا من رؤية وتحليل كافة تجليات هذه الممارسة من كون الرجل هو المحور. يستحضر بذلك الرجال خطابا يضعون فيه أنفسهم في المركز منطلقين في تسويغ تعدد زوجاتهم وأسبابها من منطلق حاجاتهم ورغباتهم وفي توصيف تعدد زوجاتهم كحالة اسرية تؤمن لهم حياة اسرية افضل دون الأخذ بعين الاعتبار موقف الزوجات ورغباتهن لتصل في معظم الاحيان إنكار إمكانية وجود صعوبات او معاناة للزوجات بسبب هذه المنظومة الزوجية. عمليا انطلق جميع الرجال من الايمان المعلن والضمني بقوامتهم على النساء الأمر الذي يجعل التعامل مع المرأة ك "شيء" موردين بذلك كل التفسيرات الذكورية والتي يمنحون من خلالها لأنفسهم المسوغات للتعدد والتي ينعدم فيها النظر للعلاقة الزوجية كعلاقة انسانية تشاركية تجمع بين الرجل والمرأة قائمة على الندية والمساواة.

وكانت الأسباب التي عزا الرجال اليها تعدد زوجاتهم عديدة أولها الخلافات الزوجية مع الزوجة الاولى ليكون تعدد الزوجات تسوية ما بين الواجب الابوي تجاه الأولاد والعائلة وما بين الرغبة في ممارسة علاقة زوجية هانئة ومستقرة دون اللجوء للطلاق الذي بحسب وجهة نظر "عمر" احد المشاركين امر يسبب الأذى للعائلة والأولاد.

 يظهر بذلك ان تعدد الزوجات يتم في بعض الحالات كتحايل على الطلاق الذي يفتقر المجتمع لنظرة موضوعية تجاهه والذي من الممكن أن يشكل في حالات معينة حلا مناسبا لأفراده. فعمر الذي يبلغ من العمر السابعة والثلاثين، تزوج في سن الواحدة والعشرين من خلال ترتيب عائلي فرضته عائلته كباقي المشاركين  "كوسيلة للمحافظة على مصالح العائلة الاقتصادية" كما يصفه ، في الوقت الذي  لم يكن في حينه يفكر في الزواج ولم يكن مقتنعا بالزوجة التي قام اهله باختيارها له. خلال فترة الخطوبة التي استمرّت سنتين ظهرت الكثير من الخلافات بينه وبين خطيبته، وفكّر عدة مرّات بفسخ الخطوبة، إلا أنّ عائلته ضغطت عليه لعدم الإقدام على ذلك. لم يلقَ عمر أيّ توجيه من أفراد عائلته، ولم يتلقّ تشجيعًا لفسخ الخطوبة. استمرت هذه الخلافات وتعاظمت بعد الزواج،الامر الذي جعله يفكر في الزواج من امراة اخرى من اجل ممارسة حياة زوجية هانئة لم يستطع تحقيقها مع الزوجة الاولى والتي انجب منها اربعة اولاد. بذلك يتعامل عمر مع قراره تعدد زوجاته كصيغة توفيقية ما بين رغبته في ممارسة حياة زوجية هانئة استطاع تحقيقها وبين واجبه العائلي تجاه اولاده.

لقد تم الإشارة في المجموعات البؤرية الى الزواج المبكّر الذي يُفرض على الرجل والمرأة، والذي يدفع الكثير من الرجال فيما بعد إلى البحث عن زواج يختارونه هم، وليس زواجًا تفرضه العائلة عليهم. أمّا في خصوص الفتيات، فقد تم التطرّق في منطقة النقب إلى حرمان الفتاة من اختيار شريك حياتها في حال كان من خارج عشيرتها، ومن عشيرة أقلّ مكانة من عشيرتها، الأمر الذي يجعلها تتقدّم في السنّ، لتُضطرّ، فيما بعد، إلى القبول بالزواج برجل متزوّج من داخل عشيرتها. لقد اجمعت غالبية النقاشات في المجموعات البؤرية على أن المجتمع لا يعمل على تهيئة افراده رجالا ونساء على بلورة مفهوم ناضج تجاه الزواج يعتمد على المشاركة والندية في العلاقات بين الرجل والمرأة، بل يذوت ثقافة زواج مبتورة ومشوهة، يكون تعدد الزوجات أسوأ تجلياتها.

اما السبب الثاني الذي تم ذكره من قبل الرجال هو التشجيع المجتمعي وتحديدا من قبل الأقارب والاصدقاء والذي حثّ أحد الرجال المشاركين لاتخاذ زوجة ثانية لتحول هذا التشجيع للحظة امتحان على الرجل ان يقوم خلالها باثبات رجولته مقابل رجال اخرين كدليل على قدرته وقوته. وقد ظهر هذا الأمر بحدة اكبر في منطقة النقب حيث ينتشر تعدد الزوجات بنسب عالية أكثر مما هي في مناطق أخرى. وكما وصفت إحدى النساء في المقابلات المعمقة سبب قيام زوجها بالزواج من امرأة اخرى بتشجيع من أقاربه واصدقائه هكذا أيضا وصف احد الرجال الدافع لزواجه الثاني:

" لما بتقعد العيلة مع بعض بصير في نقاش عائلي بين بعض، كنا قاعدين بديوان, حكينا عن الزيجة الثانية، اجا واحد بقولي إنت لازم تتزوج، قلتلهن هتولي عروس وأنا بتزوج..غلطة، حب استطلاع، طلعت بضحكة، كلمة قلتها ومش عارف شو اللي خلاّني أعملها، فتشت عن سبب أفسخ الخطوبة، بس بتعرفي شرف العيلة، كان صعب صعب جدا".

وعاد هذا السبب ليطفو في المجموعات البؤرية التي قام فيها المشاركين للإشارة الى تنامي سياق اجتماعي يشجع الرجال ويحثهم على ممارسة تعدد الزوجات.وفي هذا الصدد فقد تم الإشارة  أيضا في المجموعات البؤرية التي أقيمت   الى وجود تشجيع لرجال الدين وأئمة المساجد لتعدد الزوجات، والى ازدياد في الفتاوى الدينية الحديثة الصادرة في النقب وكذلك في منطقة المثلث والجليل والتي تدعو الرجال المتزوجين للزواج مرة اخرى من نساء عزباوات مغلفين هذه الدعوة بغطاء ديني يبدو أن له تأثير كبير في تنامي ظاهرة تعدد الزوجات.

 اما السبب الثالث الذي اورده احد الرجال " صلاح" فقد كان كبر زوجته، والتي بحسب رأيه لن تعد بعد بضع سنوات قادرة على تلبية احتياجاته. ينطلق بذلك صلاح من اعتبار ان دور الزوجة يتمثل في خدمة الزوج وتأمين حاجاتيه الجسدية والجنسية, ولذا ففي حال أصبحت الزوجة غير قادرة او انها مهيأة لتصبح غير قادرة على تأمين حاجياته فإن من حق الزوج ان يتزوج من امراة اخرى، دون ان يعتبر ان هذه الخطوة تحمل إهانة للزوجة الأولى. اما السبب الرابع فقد جاء كحل للحفاظ على الاولاد في العائلة عند وفاة الأخ, حيث يصبح تعدد الزوجات وضعية شرعية لبقاء الزوجة مع اولادها في بيت عائلة الزوج وعدم عودتها لبيت عائلتها مع اولادها.وكان السبب الخامس الذي تم ذكره هو انجاب المزيد من الأولاد في الوقت الذي لم تنجب الزوجة سوى ولدا واحدا.

وجاء السبب السادس والذي بحسب احد المشاركين هو ما دفعه لتعدد زوجاته، فهو العفة، باعتبار تعدد الزوجات وسيلة لتحصين الرجل جنسيا وتجنيبه اقامة علاقات جنسية مع نساء اخريات خارج اطار الزواج. وفي هذا الإطار فقد انطلق معظم الرجال من اعتبار تفوقهم الجنسي على النساء والارتكاز على الفروقات البيولوجية والايمان بفاعلية الرجل الجنسية وحاجاته التي تفوق بحسب رأيهم حاجات النساء التي تتقلص وبالكاد تتواجد بسبب الانجاب والولادات.

" ما بفكر أنه النساء اللي ممكن يكونوا امهات ومروا بولادات عندهن رغبة جنسية عادية زيهن زي ازواجهن..المرأة بعد الولادات وهموم الدنيا بتربية الاولاد بصير الجنس بمرتبة متأخرة عندها".

ويضيف زوج اخر ما يلي:

" لما المرا بجيها ولدين أو ثلاثة بتبطل تتفضى لزوجها وبتصير تتفضى لولادها، لهذا السبب اليوم الرجل بصير يشوف شغلات بالشارع وبالتلفزيون وبكل محل اللي بتثيره من ناحية جنسية وبدو يشبع رغباته.. يعني الأشياء اللي الواحد بشوفها بالشارع وبالتلفزيون بدو حل الها، يا بفتش عليها بالحلال يا بفتش عليها بالحرام .. في بعض الرجال لا تكفيهم امرأة واحدة وبالأخص ساعة ما بصير عندهم ولاد..وعشان هيك مشرع الزواج بأربعة".

إن هذا الطرح كما يصفه أبو زيد (1999) يختزل الوجود الإنساني في إطار الكائن البيولوجي ويحول القضية الى " قضية الذكر والأنثى" بدل قضية " الرجل والمرأة" وما تحمله من ابعاد ثقافية اجتماعية وتاريخية. وهو طرح ينحصر في آليات السجال مع اطروحات مغلفة بخطاب ديني تحصر النقاش في إطار ضيق وهو إطار الحلال والحرام وتحصر الحل في طرفين نقيضين، فإمّا إباحة الزنا، وإمّا إباحة تعدّد الزوجات. يؤدّي هذا الخطاب، في الواقع، إلى نفي المرأة ككائن إنسانيّ واستبدالها بأنثى، ويتمّ بهذا تحويل الخلية الزوجية إلى خلية جنسيّة، ويصبح الرجال كائنات جنسية تُلقي على النساء في داخل هذه الخلية مهمّة تلبية حاجات الرجال الجنسيّة لا غير، ويتمّ اختزال مفهوم الزواج والعلاقة الجنسيّة، بأبعادها العاطفيّة الوجدانيّة، إلى فعل جنسي غريزيّ لا غير.

يحمل هذا الخطاب عدة أبعاد تحت طيّاته فهو يظهر أولا ان الرجال قاموا بالتطرق للاختلافات في الأدوار الاجتماعية وليس في الادوار البيولوجية التي لا تتعلق بالفروق بالحاجة الجنسية بل بالفروق بالادوار النمطية للمراة والرجل دون  إدراك الفرق بين الاثنين ودون ان يروا ان عدم اعادة صياغة الادوار بين الجنسين وعدم تحمل الرجل- الاب لدور الرعاية هو ما يجعل الكثير من الزوجات منهكات جسديا واقل فعالية جنسيا. وثانيا فإن هذا الخطاب يوقع الرجال في تناقض صارخ؛ فمن جهة، تُصوّر المرأة - الزوجة بأنّها سالبة جنسيًّا، وغير قادرة على سدّ احتياجات زوجها، الأمر الذي يحتّم تعدد الزوجات، ومن جهة أخرى، يقوم بعرض المرأة كفعّالة جنسيًّا، حيث تُغوي الرجل، فهي مغرية وخادعة، ويعتبر الرجل أكثر حساسية وعُرضة للغواية تجاهها. يتناقض هذا الوصف مع فلسفة قِوامة الرجال على النساء، التي تبنّاها الرجال والتي انطلقوا منها في اعتبار أنفسهم يتمتّعون بقدرات عقلية ومهارات حياتية تفوق قدرة النساء، الأمر الذي يجعلهم أقدر على إدارة شؤونهم وشؤون النساء. تعزو هذه الفلسفة صفة "العاطفية" بشكل نمطي إلى النساء، مقابل عزو "العقلانية" إلى الرجال، التي لا يجدون تفسيرًا لاختفائها وعدم فاعليتها أمام غواية النساء.

وتفسّر المرنيسي (17 : 2001) هذا التناقص "بما يُمكن وصفه بـ"نظرية علنية" وأخرى "ضمنية" عن الحياة الجنسية، أي بنظرية مزدوجة عن ديناميكية الجنسين. وتتمثل الأولى في الاعتقاد السائد في الوقت الحاضر بأن حياة الرجل الجنسية تتسم بطابع فعّال، في حين أن حياة المرأة الجنسية ذات طابع سالب، وتتضح النظرية "الضمنية" المكبوتة في اللاواعي الإسلامي من خلال مؤلَّف الإمام الغزالي الهامّ: "إحياء علوم الدين"، حيث يرى أن الحضارة مجهود يهدف إلى احتواء سلطة المرأة الهدّامة والكاسحة. "ولذلك يجب ضبط النساء لكي لا ينصرف الرجال عن واجباتهم الاجتماعية والدينية، كما أن بقاء المجتمع رهينًا بخلق مؤسّسات تُرسّخ الهيمنة الذكورية عن طريق ميكانيزمات من بينها الفصل بين الجنسين وتعدّد زوجات المؤمن".

تُظهر نتائج البحث أن هذا التوجه الذي يحمله الرجال والمجتمع بأسره تجاه المرأة ، يحمل في طيّاته تقسيمًا نمطيًّا مترسّخًا في الذهنية الذكورية، يُقسّم فيه النساء إلى صنفين: النساء السالبات و"الفاضلات"، مقابل النساء الفاعلات جنسيًّا و"المغويات"، وهي تقسيمة متجذرة في الذهنية البطريركية، تنبع من الفصل التامّ الذي يُقيمه النظام البطريركي بين الحُبّ والجنسانية بما فيه الكفاية لاعتبار المتعة الجنسية كعلاقة بين أنداد متساوين، وليس كآلية لفرض تراتبية وفرض السلطة وفرض السيطرة، وبالتالي التجريد من الإنسانية. يحوّل بذلك الرجال الخطاب الذي يدعو إلى تعدد الزوجات من منطلق مواجهة الغواية التي يتعرض لها الرجل بسبب المرأة وما تبثّه من شهوة وفتنة، إلى خطاب يتعامل مع الأنوثة كمرادف للشيطنة، ويحوّلها إلى كائن محرّك للغرائز وباعث على الفتنة، ليلقوا عنه بذلك مسؤولية عدم قدرته على تهذيب غريزته الجنسية، ليصبح الحلّ الوحيد هو تعدد الزوجات.

موقف المجتمع من قرار الرجل تعدد زوجاته من وجهة نظر الرجل ورؤيته للحياة الزوجية متعددة الزوجات:

أكد الرجال في المقابلات المعمقة على أن قرار الزواج بامرأة اخرى هو قرار حكري لهم غير اخذين بالاعتبار موقف الزوجة الاولى ومعارضتها او مواقف معارضة لأشخاص اخرين من المحيط القريب أو البعيد. وقد اتخذ جميع الرجال بذلك استراتيجية فرض الأمر الواقع، منطلقين من فرضية أن الزوجة- ورغم معارضتها الاولى- لا خيار لها، إلاّ الإمتثال والقبول بما يفرضه الرجل. ويعتقد معظم الرجال أن المجتمع يتقبّل تعدد زيجاتهم، ولم يتم الإشارة الى معارضة او بعض التحفظ سوى من مشاركين اثنين،  بينما حاول اخرين إنكار وجود معارضة قائمة، مؤكدين على أن قرار زواجهم الثاني هو حكري لهم وأنهم لم يسمحوا لأحد التأثير على قرارهم ، في حين لقي مشارك واحد تشجيع فاعل. وفي هذا الصدد لم يكرس الرجال حيزّا للقانون الإسرائيلي كعائق أو اشكالية جعلهتم يترددون في قرار الزواج الثاني ولم يعبروا عن خشيتهم من العقوبة الناتجة عنه، بل أن جميعهم تعاملوا معه من خلال الالتفاف عليه وعدم تسجيل الزواج الثاني بشكل رسمي، ليكون الاعتراف المجتمعي هو الحاسم من جانبهم.

وكما لم يلتفت الرجال في المقابلات المعمّقة الى القانون الإسرائيلي ولم يتعاملوا معه كعائق امامهم، كذلك الامر  في المجموعات البؤرية، إذ لم يحتلّ هذا الجانب حيّزًا مهمًّا في النقاش، ولا يبدو هذا الأمر صدفة، إذ يبدو أن القانون الإسرائيلي بالنسبة إلى المجتمع الفلسطيني في عداد الغائب، ووجوده لا يستحوذ على اهتمام المشاركين والمشاركات في البحث، لأنه، ببساطة شديدة، قانون خامل غير مطبق، وليس له تأثير واضح في مسار هذه الظاهرة. وهو بذلك لا يحتلّ حيّزًا في اهتمام المجتمع، ولا في اهتمام من يفكر في تعدّد الزوجات، ولا تعتبره النساء اللواتي يواجهن تعدّد زواج أزواجهنّ عُنوانًا يُمكن اللجوء إليه لنيل حقوقهنّ.

الحياة الزوجية من وجهة نظر الرجال المتعددي الزوجات:

أظهر البحث كذلك في تطرّقه إلى موقف الأزواج من الحياة الزوجية المتعددة الزوجات، تفاوتًا كبيرًا عمّا وصفته النساء. ففي الوقت الذي وصفت فيه النساء الشعور بالمهانة، وعبّرن عن الكثير من الألم والإهمال تجاههنّ وتجاه الأولاد على كافة الصُّعُد، فقد عرضه معظم الرجال المشاركين بشكل إيجابي وعاديّ، حتى إنهم أظهروا الامتياز الذي يعيشونه في هذه المنظومة، عازين ذلك إلى قوة شخصيتهم كأزواج وحنكتهم في إدارة هذه المنظومة. فيؤكد جميع المشاركين أن تعدد الزوجات وكيفية المعايشة السليمة هما بيد الرجل، وأن الرجل الحكيم يستطيع أن يتغلب على المشاكل، وأن يبني هذه المنظومة لتسير بشكل ناجع وحيويّ. لم ير الرجال أن تعدد زوجاتهم امتهانا للزوجة ومصدر ألم ومعاناة لها، معتبرين ان لا امتهان في ذلك لزوجاتهم ما داموا يمارسونه بعدل. ويظهر بذلك ان العدل الذي يقصدونه هو العدل المادي وليس العاطفي او الجنسي والذي بحسب وجهة نظرهم هم غير ملزمين بتحقيقهما. وفي حين وصف الرجال قيامهم بواجباتهم تجاه زوجاتهن واسرهن على اكمل وجه يتضح أن المعايير التي وضعها جميع الرجال للدلالة على نجاحهم في تعدد الزوجات معايير تقليدية ونمطية جدًّا. فتقسيمة الأدوار والمَهامّ التي يصفونها تُظهر أن دور الرعاية ملقًى بالكامل على الزوجة، وأن اهتمامهم بأولادهم وعدم تقصيرهم في واجباتهم الأبوية، يتمحوران في فلك الرقابة وتأمين احتياجات الأولاد العملية من دون التطرّق إلى الاحتياجات العاطفية للأولاد، ومن دون انطلاقهم من وجود تقسيمة متساوية تعتمد على المشاركة مع الزوجة في عملية التربية والرعاية.

عمليًّا، يقوم الرجال بالتعبير عن ذهنية ذكورية متجذّرة عميقًا، تقوم مؤسسة تعدد الزوجات بالتعبير عن أقصى تجلياتها تجاه مفهوم الزواج والعلاقة مع المرأة، ومفهومهم للحياة الزوجية. تُظهر النتائج وجود فجوة كبيرة بين توقعات

 
 
 
 
 
 
 
إتصل بنا
هاتف : +972(4)6462138
قاكس : +972(4)6553781
[email protected]