مقالات ودراساتالنظام القانوني المتوازي في مسائل الأحوال الشخصية: نظرة نسوية قدمت هذه الورقة السيدة هدى روحانا, في مؤتمر حول بناء الدستور العراقي نظمته منظمة " نساء من اجل نساء العالم" في شهر حزيران 2005. لقد حضر المؤتمر عدد من أعضاء الجمعية الوطنية العراقية ولجنة صياغة الدستور وعدد من الوزراء وبعض الناشطات من المجموعات النسوية والنسائية في العراق وعدد من الناشطات من عدة دول مختلفة. وقد تمنح أو تسلب كل مجموعة قوانين النساء حقوقاً مختلفة. هنالك القانون المدني والديني (كما في الهند أو الفلبين)، والعرفي (كما في السنغال).في بعض الأماكن هنالك محاكم مختلفة للمجموعات الدينية المختلفة (لبنان) أو وفقا لعقد الزواج (مدني أو ديني أو عرفي) وفي أماكن أخرى هنالك محكمة واحدة تحكم مجموعات مختلفة كل حسب طائفته (الباكستان) .في بعض الأماكن يحق للزوجين اختيار تسجيل زواجهما في ظل قانون أو آخر (سري لانكا، السنغال) وفي أماكن أخرى تستبعد القوانين المتوازية الاختيارات الشخصية (باكستان). وأخيرا، فبالإضافة إلى القوانين الرسمية المتوازية يوجد هنالك أيضاً أعراف وتقاليد غير رسمية تعمل داخل كل مجتمع ومساوية ربما للقوانين في الأهمية. نظراً لأهمية أنظمة القوانين المتوازية والتعقيد المنطوي عليها من حيث المبنى القانوني وبالتالي انعكاسه على تنظيم المجتمع والحريات المتاحة، نستعرض في هذه الورقة بعض نماذج هذه الأنظمة ونثير بعض النقاط الأساسية المتعلقة بتأثيرها على واقع النساء.لكن قبل الخوض في ذلك، تجدر الإشارة إلى ثلاث نقاط هامة عند تحليلنا لمنظومات قوانين الأحوال الشخصية: 1. أن تسمية وتصنيف القانون مدني مقابل ديني لا تدل بالضرورة على مدى إنصافه وعدله.فالسؤال المهم عند تقييم أي اقتراح قانون هو تحليل فحوى القانون نفسه والحقوق التي يطرحها. من الجدير بالذكر ان تحليل النص القانوني لا يكفي وحده من اجل تقييم أوضاع النساء في المحاكم الدينيةفهنالك العديد من العوامل التي تأثر على أوضاع النساء داخل هذه المحاكم مثلا شخصية القاضي, مؤهلاته, علاقة النص القانوني المطبق في المحكمة بنصوص قانونية أخرى, وبالممارسات الاجتماعية.كذلك من المهم عند تقييم أية قانون فحص مدى استجابته لواقع النساء. من جهة أخرى, فان القوانين التي يقال إنها إسلامية تختلف من بلد إلى آخر وترتبط ارتباطا وثيقاً بالسياق الاجتماعي, الاقتصادي والسياسي. 2. رغم الانطباع السائد أن هنالك فصل تام بين القانون العلماني والقانون الديني، إلا أنه في العديد من الحالات ترجع جذور قوانين مصنفة كعلمانية إلى نظم موروثة عن السلطة الاستعمارية السابقة والتي هي بدورها مستقاة من مصادر دينية أخرى.كما أن بعض القوانين العلمانية تتضمن بعض البنود من القوانين العرفية أو الدينية. فقانون الأحوال الشخصية في السنغال هو قانون علماني لكنه يتضمن بعض البنود من القانون "الإسلامي" والقوانين العرفية لقبائل الوولف . كذلك قانون الأحوال الشخصية "الإسلامي" في سيريلانكا يتضمن بعض البنود من القوانين العرفية. 3. تختلف المحاكم الدينية من بلد إلى أخر، فعند الحديث عن المحاكم الدينية أو الشرعية يجب أن ندقق بعدة عوامل منها ما هي هذه المحاكم؟ من هم القضاة وهل هم رجال دين أم قانون؟ كيف يتم تعيين القضاة في هذه المحاكم وما هي التأهيلات المطلوبة؟ الخ .نماذج مختلفة من النظام القانوني المتوازي: بالإمكان الإشارة إلى عدة نماذج من القوانين المتوازية، لكل منها انعكاسات مختلفة على حيوات النساء الواقعة تحت حكمها. هذه النماذج هي: 1.منظومات القوانين الرسمية والقوانين الغير رسمية: في العديد من الحالات يتم البت وحل بعض القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية عن طريق بعض الأطر خارج نظام القانون الرسمي مثل الأطر التقليدية كلجان الصلح ورجال الدين, الخ .... 2.تطبيق قوانين مختلفة في مناطق جغرافية مختلفة: تستثني بعض القوانين بعض المناطق الجغرافية كما هو الحال في الهند/كشمير و الباكستان مثلاً. 3. وجود محكمة واحدة تحكم مجموعات دينية مختلفة كل حسب طائفته (في الباكستان مثلاً). في بعض الدول يحق للزوجين اختيار تسجيل زواجهما في ظل قانون أو آخر (مثلاً في السنغال, الهند, بنغلادش, الباكستان) والتقاضي من ثم وفقا لهذا القانون. لكن في كل من بنغلادش والباكستان يجب على الزوجين التنازل عن دينهم أولاً لكن ذلك غير وارد طبعاً بالنسبة للباكستان بسب قانون التجديف. 4. وجود محاكم مختلفة للمجموعات الدينية المختلفة مثل لبنان وسيريلانكا. في سيريلانكا يوجد محاكم خاصة للبت في قضايا الأحوال الشخصية للمسلمين, ومحكمة أخرى للمجموعات الدينية الأخرى.لكن لا توجد لهذه المحاكم الإمكانية لتطبيق القانون مثل المحكمة العامة التي تنظر في قضايا الأحوال الشخصية المتعلقة بالمجموعات الدينية الأخرى.أما في لبنان فهنالك 17 محكمة دينية مختلفة تبت في قضايا الأحوال الشخصية المتعلقة بالمجموعات الدينية والمذاهب والملل المختلفة. 5. وجود محاكم مختلفة يتم التوجه لها وفق عقد الزواج ، عقد مدني أو ديني أو عرفي, مثلا في غرب أفريقيا. من الجدير بالذكر ان المحاكم الدينية في غرب أفريقيا فقط للمسلمينأما المسحيين فيتوجهون إلى المحاكم المدنية, أما من يتزوج حسب العرف يتوجه إلى المحاكم العرفية. 6. بإمكان المواطنين اختيار ما بين قانونين علماني وديني أو بين محكمتين (المحكمة الشرعية أو محكمة العائلة). مثلا الأقلية الفلسطينية داخل إسرائيل.وفقا للقانون الإسرائيلي يستطيع كل مواطن فلسطيني حامل الجواز الإسرائيلي التوجه للمحاكم الدينية (المحاكم الشرعية أو الكنسية أو الدرزية كل حسب دينه) أو لمحاكم العائلة المدنية في قضايا الأحوال الشخصية.ما عدا في قضايا الزواج الطلاق, فللمحاكم الدينية صلاحية مطلقة للبت في قضايا الزواج والطلاق. لكن هنالك العديد من الإشكاليات الناتجة عن تطبيق هذا النظام منها قضية سباق الصلاحيات.إذ أنه في حالة الخلاف بين الزوجين حول صلاحية المحكمة للبت في قضية معينة فالقرار يؤخذ وفقاً لأية محكمة توجه أحد الأطراف أولاً(2) 7. وجود محاكم العائلة للنظر فقط في قضايا الأحوال الشخصية, مثلا الباكستان, بنغلادش, الهند,مصر. تحاول هده المحاكم أن تكون حساسة لقضايا واحتياجات النساء.على سبيل المثال,يكون القضاة ملمين بقضايا العائلة, ومن ألا سهل هناك المطالبة بأن تتولى المرأة منصب القضاء في هذهه المحاكم. إشكاليات النظام القانوني المتوازي ينطوي النظام القانوني المتوازي على ثلاث إشكاليات رئيسية ترتبط بسياسات الهوية، بالمساواة بين المواطنين في الدولة الواحدة وفي مسألة تراتبية واختلاط صلاحيات المحاكم.نتناول فيما يلي هذه الإشكاليات بتوسع أكثر. يضع نظام القوانين والمحاكم المختلفة الفرد والأسرة في اغلب الحالات تحت سلطة السلطات الدينية المختلفة للمجموعات الدينية, المذاهب والملل وتمنع بذلك انصهار الأفراد المواطنين في إطار بوتقة وطنية واحدة. نأخذ على سبيل المثال المنموذج اللبناني والذي يفتقر لقانون أسرة موحد إنما يرجع لكل طائفة تنظيم أمورها "الشخصية" يشكل منفصل. فالطائفة المارونية مثلا تعمل على الحفاظ على بقائها و"نقائها" وبالتالي يصبح من الطبيعي أن تعارض وتقاوم الزواج من الطوائف الأخرى. نفس الأمر ينطبق على الطوائف الأخرى سواء كانت مسلمة آو مسيحية. بهذه الطريقة يتم إخضاع الفرد والأسرة للسلطة الدينية مانعة تشكيل هوية وطنية لبنانية واحدة تجمع كل اللبنانيين واللبنانيات. في نفس السياق، طالما تصدت الزعامات الدينية، والتي تنازع سلطة الدولة على التحكم بالاقليات المختلفة، للمحاولات المستمرة لتغيير قانون الأسرة اللبناني من طائفي إلى مدني.وهذا بالطبع يصب في مصلحة القوى الطائفية التي تعارض التغيير لبقاء الدولة قائمة على أسس طائفية. ترتبط قوانين الأسرة الطائفية بالمدارس الطائفية كذلك والتي ترسخ تبعية الفرد من طفولته لطائفته وليس لدولته أو لامته (إصلاح جاد, مفتاح 2004).يقوي مثل هذا النظام المجموعات المحافظة ويسهل عليها المطالبة بسلب بعض حقوق المرأة باسم الاختلافات الدينية أو الاثنية أو الثقافية. كما يخلق هذا النظام العديد من المشاكل في حال الزواج المختلط والذي يضطر من يريدونه السفر للخارج لإنجازه. من الممكن الادعاء ان التقاضي في محاكم فئوية يندرج ضمن الحق الجماعي للاقليات في تنظيم أمورها, لكن في الواقع وفي اغلب الحالات تقوم الدولة بفرض هويات ماهوية على المواطنين المنتمين للاقليات وتحدد حقوقهم وفقا لهذه الهوية.تشير العديد من الأدبيات التي تتناول قضايا التعددية الثقافية إلى انه في معظم الحالات يتم اختزال الهوية إلى الهوية الدينية ويتم تحديد احتياجات الاقليات بالتشاور (عادة بطريقة غير رسمية) مع القوى المحافظة التي تدعي انها الناطق الأصيل باسم الأقلية,طامسة اختلافات النوع والطبقة والطائفة الاجتماعية. ( سهغال ويوفال ديفس 1992, باتل 2005) بالنسبة للمساواة بين المواطنين، فان وجود قوانين ومحاكم مختلفة للمجموعات المختلفة يؤدي إلى غياب مبدأ المساواة أمام القانونفهذا النظام يعني إعطاء حقوق مختلفة للنساء من مجموعات دينية أو مناطق مختلفة. على سبيل المثال تستطيع المرأة السنية والشيعية والروم الارثودوكس في لبنان الطلاق, بينما لا تستطيع ذلك المرأة الكاثوليكية. في الهند مثلا يخضع المسلمون لقانون الدولة "العلماني" وكذلك لقانون الأحوال الشخصية للمسلمين. لكنه تم استثناء النساء المسلمات من الحق في النفقة وفق بند 125 الذي يسرى على جميع المواطنات, تحت غطاء قانون جديد" لحماية" النساء المسلمات. في بعض الأحيان يتناقض القانون الخاص بأقلية دينية معينة مع مبادئ الدستور المنادية بالمساواة. تكمن الإشكالية هنا بأن العديد من الدول لم تضمن مبدأ المساواة كمبدأ أعلى، على العكسقامت العديد منها بالتحفظ على اتفاقية السيداو(CEDAW) فيما يتعلق بالمساواة في قضايا الأحوال الشخصية مدعية ان بعض بنود الاتفاقية تتعارض مع دين بعض المجموعات.في الحقيقة ان البنود المقصودة لا تتعارض مع الدين بشكل أساسي بل مع قانون الأحوال الشخصية أو مدرسة الفقه المطبقة في البلد المعين. الإشكالية الثالثة التي تنبع من وجود عدد من المحاكم ذات صلاحية موازية للبت في قضايا الأحوال الشخصية تتعلق بصلاحيات المحاكم واختلاط الأمور بالنسبة للتراتبية والأسبقية في الصلاحياتمما قد يؤدي إلى إطالة الحسم في بعض القضايا. من جهة أخرى فإن عدم الوضوح في إجراءات التقاضي يضر بشكل أساسي الفئات المستضعفة, في هذه الحالة النساء. خلاصة وتوصيات لا يكفي تصنيف القانونن "مدني" مقابل "ديني" أو تحليل النص القانوني من اجل تقييم أوضاع النساء في المحاكم الدينيةفهنالك العديد من العوامل التي تؤثر على أوضاع النساء في المحاكم, منها بالإضافة للنص القانوني شخصية القاضي, مؤهلاته, علاقة النص القانوني المطبق في المحكمة بنصوص قانونية أخرى, وبالممارسات الاجتماعية. من الضروري كذلك عند تقييم أي قانون من وجهة نظر جندرية فحص مدى استجابته لواقع النساء. من الصعب جدا الحديث عن نموذج مثالي للنظام القانوني المتوازي الذي يضمن العدالة الاجتماعية.لكن نظرا للقضايا والإشكاليات المعروضة أعلاه، نعتقد من الأهمية بمكان الإيفاء بما يلي: أولاً، من الهام النظر والعمل على قانون إجراءات التقاضي عند تعديل قوانين الأحوال الشخصية: نظراً لأهميتها البالغة في النظام القانوني المتوازي. إذ أن عدم الوضوح في إجراءات التقاضي قد يسبب البلبلة ويؤدي إلى الإطالة في الحسم وإصدار الأحكام. ثانياً، وجود محاكم مخصصة لقضايا العائلة (محاكم العائلة) قد يتيح فرص حقوقية أكثر للنساء لعدة أسباب، منها أن هذه المحاكم قد تكون أكثر حساسية لقضايا النساء واحتياجاتها، القضاة أكثر إلماماً بقضايا العائلةكما بالإمكان المطالبة بتدخل طاقم من المختصين في قضايا العائلة مثلا عمال اجتماعيين, ومن الأسهل المطالبة بأن تتولى النساء منصب القضاء في هذه المحاكم. أخيراً: من المهم أن ينص الدستور علىالمساواة كقيمة عليا موضحاً انه في حالة انتهاك المساواة باسم الاختلافات الدينية، مثل في قانون الأحوال الشخصية، فان مبدأ المساواة هو الحاسم. هوامش: 1. ينطبق هذا الاستخدام بيسر على اللغات الإفرنجية بينما يتعذر نوعاً ما في العربية إذ أن كلمة "مسلم" في العربية هي صفة للعاقل على نحو يجعل من غير الملائم الحديث عن "قانون مسلم" مثلاً، وذلك هو السبب في استخدام عبارة "قوانين المسلمين" الواردة في الاسم العربي للشبكة 2. من الجدير بالذكر ان تصنيف المحكام في إسرائيل إلى محاكم علمانية مقابل محاكم دينية هو تصنيف مغلوط, وذلك بسبب محدودية المساحة العلمانية في دولة تعرف نفسها كدولة يهودية.
|