مقالات ودراسات

 

فجأة أصبحت نورا (19 عاماً) بخبرتها الضئيلة في الحياة مسئولة عن زوج وطفل واستقرار أسرة ، مما أصابها باكتئاب نفسي فضلاً عن المضاعفات الصحية التي تعرضت لها بسبب الحمل المبكر .

هذا ليس حال نورا وحدها وإنما حال الكثيرات من ضحايا الزواج المبكر في مصر والأردن وتونس وجميع بلدان الوطن العربي . لذا نجد علماء النفس والاجتماع لا يكلون أو يملون من الكشف عن نتائج دراسات جديدة تؤكد على أخطار الزواج المبكر بالنسبة للمرأة ، وآخرها الدراسة الديموجرافية للدكتور ماجد عثمان رئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري .
وجاءت الدراسة تحت عنوان "أنماط الزواج في المجتمع المصري"، لتحذر من ظاهرة الزواج المبكر للفتيات اللاتي لم يبلغن 20 سنة مؤكدة أنه يرتبط بحدوث طلاق مبكر، وطالبت في الوقت نفسه بالعمل على رفع سن الزواج من خلال سن قوانين جديدة وتفعيل القوانين القائمة.
وأفادت الدراسة بانتشار ظاهرة الزواج الفتيات المبكر في مصر ، حيث بلغ عدد حالات الزواج المبكر (لفتيات أقل من 20 سنة) التي تمت في 2006 حوالي 153 ألف حالة تمثل حوالي 29% من إجمالي حالات الزواج التي تمت في عام 2006.
وأشارت بيانات التعداد العام للسكان لعام 2006 إلى أن حوالي 11% من الإناث في الفئة العمرية (16 - 19 سنة) متزوجات حاليا أو سبق لهم الزواج.

طلاق وتفكك أسري
وذكرت الدراسة، بحسب موقع "أخبار مصر"، أن 26 ألف طفل يعانون من تفكك أسرهم نتيجة طلاق الوالدين، موضحة أن الطلاق يؤدى إلى تفكك الأسرة، وهو ما يتطلب تغيير قوانين الأحوال الشخصية ورفع الوعي بتداعيات الطلاق في مصر لتجنيب هؤلاء الأطفال معاناة طلاق الوالدين.
وطالبت برفع الوعي وإدماج الفتيات في التعليم وسوق العمل وهو من شأنه سيؤدى إلى تجنب الدولة العديد من الأعباء التي تنجم عن الزواج المبكر.

حرمان الفتاة من حقوقها
فضلاً عن حرمان الفتاة من حقها في الاستمتاع بطفولتها ، فإنها تفقد الكثير من حقوقها في الحياة، وتعدد هذه الحقوق الدكتورة إقبال الأمير السمالوطي - أستاذ علم الاجتماع - خلال دراسة علمية لها ، مؤكدة أن الزواج المبكر يحرم الفتاة من حقها في حياة أسرية مستقرة حيث غالباً ما ينتهي بالطلاق نتيجة لعدم التوافق الزواجي، بالإضافة إلى حرمانها من حقها في اختيار الزوج المناسب ، ووضعها في موقف المسئولية الاجتماعية قبل بلوغ مرحلة النضج، هذا بالإضافة إلى معاناتها من متاعب صحية للأم نتيجة الحمل والولادة المتكررة.
ودعت الباحثة إلى ضرورة مراعاة الدولة إستراتيجية المواجهة طبيعة وخصوصية المجتمع المصري وزيادة الوعي لدى المواطنين بالآثار السلبية للزواج المبكر، والاهتمام بالتوعية الدينية للفتيات المقبلات على الزواج وتعريفهن بحقوقهن الشرعية والقانونية لاختيار الزوج المناسب، وتعقيد الإجراءات الخاصة بالزواج المبكر، وتغليظ عقوبات التلاعب في عقود الزواج.
وأفادت الدراسة بأن هذا الزواج يعتبر سمة من سمات المجتمعات الريفية إذ أن 36% من إجمالي عدد الزوجات في الأسر الريفية تزوجن في سن أقل من 16 سنة في حين تبلغ نسبة الإناث اللاتي تزوجن دون السن القانونية في الحضر 9.1%، وترجع الباحثة تزايد النسبة في الريف إلى رغبة الريفيين في الإكثار من الأولاد وقصر الفاصل الزمني بين الآباء والأبناء، والخوف على الشرف والعرض ودعم الروابط الأسرية ورغبة الآباء في تزويج أولادهم مبكرا لإثبات الرجولة وتأكيد السيطرة.

ظاهرة مقلقة في الأردن
إذا كان الاجتماعيون والنفسيون والنشطاء الحقوقيون في مصر يطالبون بسن قانون جديد لا يقبل بتزويج أي فتاة أقل من 20 عاماً ، فإن القانون بالأردن مازال يسمح بزواج ابنة الخامسة عشر إذا رأى القاضي إن في زواجها مصلحة .
ولكن د. موسى اشتيوي اختصاصي علم الاجتماع بالأردن، يرى أن الزواج المبكر في الأردن أصبح يشكل ظاهرة مقلقة ويجب التصدي لها، مستشهدا بالأرقام الرسمية التي أعلنتها المحاكم الشرعية وهي إن نسب الزواج المبكر في الأردن وصلت إلى نحو 14% .
معترضاً على رأي القضاة الشرعيين الذين اعتبروا إن الزواج المبكر في المملكة ما يزال ضمن المعدل الطبيعي، معتبراً أن هذه النسب هي عالية وأن الزواج المبكر يشكل ظاهرة سلبية مرفوضة يجب علاجها والتصدي لها.
ولم يرحب اشتيوي على الإطلاق بالقانون الذي يتيح للقاضي صلاحية الموافقة على تزويج من هي دون الثامنة عشرة إذا اقتضت الحاجة، مؤكداً أن هذا أدى إلى تفاقم المشكلة واستمراريتها وقال: والدليل على ذلك الأرقام المرتفعة المسجلة في المحاكم الشرعية لحالات الزواج المبكر فهذه الاستثناءات في القانون نفت النص الأصلي الذي هو يساعد على القضاء على الظاهرة.
وأكد اشتيوي أن الزواج المبكر له آثار سلبية على المرأة وعلى زوجها وأطفالها ومجتمعها فهي بالإضافة إلى المشاكل الصحية التي تواجهها نتيجة الحمل المبكر فهي تحرم من حقها في التعلم وتنشئ أطفالا وهي لا تفقه أصول التربية والتعليم، كما أنها تساهم في امتداد فترة لإنجاب مما يعني زيادة عدد الولادات لهذه المرأة.
وبحسب بيانات المجلس الأعلى للسكان بالأردن ، فإن هناك أكثر مليون طفلة دون سن 15 سنة مستعدات لدخول سن الزواج مما يرفع عدد الإناث في مرحلة الزواج والحمل والإنجاب الأمر الذي سيشهد زيادة في عدد السكان إذ سيقفز عددهن/ الإناث من مليون وثلث إلى مليونين بحلول 2020 أي بزيادة نسبتها 50% .

الأمهات في خطر
ليمن أيضاً من الدول العربية التي تعاني من زواج الفتيات المبكر ، لا يحمل هذا النوع من الزواج مشاكل نفسية واجتماعية للفتاة فقط ، بل يحملها أعباء صحية كأم ، فقد بينّ المسح الديمجرافي اليمني لصحة الأم والطفل لعام 1997م أن متوسط العمر في الزواج الأول للفتاة اليمنية هو 16 سنة أي أن نصف النساء في اليمن يتزوجن في عمر 16 سنة فأقل، وهذا الزواج مرتبط بحمل مبكر فقد بين نفس المسح أن 16% من النساء إما قد حملن أو أصبحن أمهات أو هن حوامل قبل سن 20 سنة، و4% منهن في سن 15 سنة فأقل، وبينّ مسح آخر صادر عن وزارة الصحة العامة والسكان عام 2001م أن نسبة الحمل خلال السنة الأولى من الزواج يبلغ 46% وهذا يزيد من الخطورة على صحة الأمهات.
ويفيد الدكتور معين فضة اختصاصي أمراض الوراثة والنسائية والعقم، أن الصّحّة الإنجابيّة تعبير عن أن تعيش المرأة مراحل عمرها المختلفة في إطار صحّي ونفسيّ واجتماعي سليم وهي تتمتع بحالة من الرّفاهية الصّحيّة والذّهنيّة والاجتماعية، للجهاز الإنجابيّ ووظائفه.
مؤكداً أن أفضل سن للإنجاب هو بين 20-30سنة وأن سن الإنجاب في عمر16 عاما و منتصف الأربعينات مضاعفات خطيرة على المرأة.
وقال إن الزواج المبكر لا يتيح للمرأة أن تمر بمرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ فهي تختصر عليها هذه المرحلة، وأيضا الإنجاب المبكر له مضاعفات كبيرة كالولادة المبكرة وزيادة في الإجهاض ونقص في واجبات الأمومة الآمنة و في معرفة ورعاية الحمل والولادة والعناية بالرضاعة الطبيعية وعناية بالطفل، ويسبب فقر الدم، ولادة أطفال صغيري الحجم، وارتفاع ضغط الدم، و تعسر الولادة، وسوء التغذية، ومضاعفات ما بعد الولادة في الجهاز البولي والجهاز العصبي ومشاكل نفسية كالإحباط.

زيادة وفيات الأطفال
لا تقتصر المشاكل الصحية على الأم الصغير فقط ، بل تمتد إلى الأطفال حيث ترتفع نسبة الوفيات ، هذا ما تؤكده الدكتورة مها الأميري اختصاصية أمراض النساء والتوليد في منطقة جبل النزهة في عمان ، وتقول : يعد الإنجاب المبكر "سببا رئيسا في ارتفاع وفيات الأطفال، أثناء الحمل وقبله وارتفاع نسب وفيات الأمهات"،فالحمل المبكر (عندما تكون الأم أصغر من 18 عاما) يعرض الأم ومواليدها لمخاطر صحية أكثر مقارنة بالنساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 20 و24 عاما.
وتفيد بأن صغيرات السن ينجبنّ مواليد بأحجام صغيرة وبأوزان أقل من الطبيعي، نظرا لعدم اكتمال النمو الجسماني للمرأة ليؤهلها للإنجاب بالشكل الطبيعي، مشيرة إلى أن مضاعفات الحمل والولادة "تزداد بشدة في حالات الحمل المبكر، وتصل حد تسمم الحمل وضعف الجنين ما يؤدي إلى ارتفاع حاد في نسبة الوفيات بين الأطفال حديثي الولادة".

 

 
 
 
 
 
 
 
إتصل بنا
هاتف : +972(4)6462138
قاكس : +972(4)6553781
[email protected]