مقالات ودراسات

 

بقلم المحامية: صفاء عبدو- اتحاد معا

لن أقتبس في مقالتي هذه من المصادر الدينية والفقهية المتعددة وذلك كي لا أُتهم من الطرف الأول بأني "أتدخل بشؤون دينية لا تعنيني" وكي لا أُتهم من الطرف الآخر أني "أغلب الشرع الديني على القانون المدني"...

 

القضية: طلاق بدون اتفاق على تحديد المهر...

 

قضائياً: لكلا الطرفين الحق بتقديم طلب طلاق للمحكمة والتي هي مُخولة في البت بالطلاق وهي التي تحدّد النسبة التي تستحقها المرأة من مهرها المؤخّر المُسجّل في عقد الزواج.

هناك عدة عوامل وأسباب قد تقلل من مقدار مهر المرأة المُؤَجّل أو قد تمنعهُ عنها بتاتا (في حالات خاصة جدا لن أدخل في تفصيلها هنا لأننا لسنا بصددها). احدى الحالات التي من الممكن أن تقلًل من مقدار مهر الزوجة هو تركِها بيت الزوجية دون سبب شرعي.

 

الحالة والاشكالية: تركت الزوجة بيت الزوجية "دون موافقة الزوج" وذلك في أعقاب الضرب والاهانات التي تعرّضت لها من قبل زوجها ومن قبل بعض أبناء عائلته. أما  الزوج فقد اكتفى بالإنكار لا أكثر.

المحكمة الشرعية كعادتها امتنعت عن البت في القضية وبما تحمله من عنف الأسري بأشكاله المختلفة بالرغم من أن الشرع واضح جداً في هذا المجال وفي قضايا العنف وقد جاء ووُجِد قبل القوانين المدنية بأكثر من ألف سنة. امتنعت المحكمة عن البت بتلك القضية كونها تُلزم بأحكام وبيّنات وشهادات، ووفقها "شهادة المرأة وحدها غير كافية". وهكذا تُم تجاهل ادعاءات المرأة لأن شهادتها "غير كافية"! وتحوَل المنع الشرعي للعنف غير مُطبق للنقص في الأدلة! وكانت الغلبة لحكم البيّنات والأدلة على مَنع "ما هو محرم ومنكر".

 

والحُكم: قامت المحكمة بتطليق المرأة، أما بالنسبة لمهرها فلتذهب وتراجع المحكمة من جديد وتطالب به!

هذا الطلاق التعسفي الذي يقوم به الرجل بتطليق  زوجته ويحرمها من كافة حقوقها الزوجية ويضعها رهنا لمتابعة وملاحقة  دور القضاء المختلفة لتخليص حقوقها الشرعية والقانونية لها ولأولادهما- هذا الطلاق يُعتبر جناية من قبل القانون المدني.

 

هنا يُطرح السؤال: هل فعلا قامت المحكمة بتطليق المرأة طلاقا تعسفيا ولو جزئيا (جزئية المهر المؤخر)؟!

تجدر الاشارة الى أن المحكمة على علم بأن الزوج يعمل ودخلُه يفوق المعدل العام للإيجارات مما يجعله من "أهل اليسر" (ما يتوجب عليه تجاه ابنته مثلا هو أكثر من "نفقة الكفاية"، أي مبلغ أعلى من نفقة الحد الأدنى). لكن المحكمة "تتفهّم" أن الزوجة تطلب منه فقط نفقة الكفاية التي تقوم مؤسسة التأمين الوطني بتأمينها، ولذلك "نربح عالدولة وما نوفر عليها"!  

 

 

ماذا فعلت: توجهت بالاستئناف، لا لحكم بكل المهر ولا لإبطال الطلاق هذا ولا حتى لدفع المهر أو جزءا منه قبل الطلاق- كل طلبي انصب الى أن تشير المحكمة ولو بعبارة بأن هذا تصرف غير سليم ولكي لا يتكرر. ما نلته كان تهديدا بإقرار مصاريف (قد تصل الى آلاف الشواقل) ضد موكلتي وعائلتها اذا لم أقم بسحب الاستئناف فوراً. والمحكمة تعرف تمام المعرفة أن وضع موكلتي الاقتصادي متدني وهي تتقاضى مخصصات ضمان الدخل. كما قام أحد القضاة، وبعد جدالي بموضوع تجاهل المحكمة البت في موضوع المهر عند الطلاق- قام بإبلاغي بأني قد قمت بقلب الأمور، فالطلاق أولا ومن ثم الحقوق! لن أستذكر العديد من الآيات ومن الأحاديث التي تناقض تماما ادعاءه هذا لكن سأشير للفقرة أعلاه حول "تعريف الطلاق التعسفي".

 

وفي النهاية: طبعا سحبت الاستئناف.

 

التأمين الوطني والنفقة: أولا يجدر الذكر هنا الى أن المحاكم الشرعية مُمَوَلة بالكامل من قبل وزارة القضاء الاسرائيلي.

تعمل مؤسسة التأمين الوطني بموضوع النفقة كالآتي:  بعد حكم المحكمة بمبلغ معين من النفقة، واذا ما كان المبلغ يفوق مبلغ الحد الأقصى من ضمان الدخل- تكتفي المؤسسة بدفع الحد الأقصى لضمان الدخل فقط. أما البقية فتُلقى على المرأة مسؤولية ملاحقة الزوج من أجل تحصيل بقية المبلغ. أما مؤسسة التأمين الوطني بدورها فهي تلاحق الزوج فقط بالنسبة لمبلغ النفقة الذي تدفعه للزوجة.

أما اذا كان مبلغ النفقة أقل من المبلغ الأقصى لضمان الدخل فهنا يقوم التأمين بدفع مبلغ النفقة ويلاحق الزوج بالنسبة للمبلغ المدفوع. أما بالنسبة لبقية المبلغ (من أجل الوصول للحد الأقصى من مبلغ ضمان الدخل) فلا يلاحقه به وانما يدفعه للزوجة كاستكمال للدخل.

أي أن المرأة تتلقى المبلغ الأقصى من ضمان الدخل دائما. ويضل التغيير عند الرجل فهو إما يُلاحق من قبل مؤسسة التأمين على المبلغ الأدنى الذي تقرر أو على المبلغ الأقصى من ضمان الدخل أو ما بينهما.

 

القضية الأخلاقية: اننا لسنا بصدد قضية ملاحقة أو قضية توفير أو عدم توفير على ميزانية الدولة والتأمين. وانما القضية المركزية هي تحمّل الرجل، الأب والزوج، لأعبائه الزوجية على الأقل، وأقلها النفقة الكفاية. ان التهرّب من تلك المسؤولية المادية هو تهرّب من المسؤولية الأخلاقية الواجبة، مما يفتح الباب على مصراعيه لتعدد الزوجات بشكل مجحف ومرفوض ومناقض للقوانين والأعراف الشرعية.

 

أعود الآن الى العبارة التي تبدو وطنية  للوهلة الأولى: "نربح عالدولة وما نوفر عليها" هل هذا ما يحصل فعلا؟ هل الطفلة التي خسرت نفقة اليسر وأمها التي خسرت مهرها ويتوجب عليها ملاحقة المحكمة وطليقها-  هل ربحتا؟ أم خسر مجتمعنا وشعبنا طفلا آخرا مُهملا ومَنسيا؟

وها أنا أجد نفسي أكتب بصيغة المذكر "طفلاً" ربما لتكون جملتي الأخيرة هذه ذات تأثير...

 
 
 
 
 
 
 
إتصل بنا
هاتف : +972(4)6462138
قاكس : +972(4)6553781
[email protected]