مقالات ودراسات

 


*سونيا بولس

 

تقوم  لجنة الأحوال للمساواة في قضايا الأحوال الشخصية بدعم  مشروع القانون الذي قدمته النائبة حنين زعبي واخرون،الهادف الى رفع سن الزواج في إسرائيل من سن السابعة عشرة إلى الثامنة عشرة أسوة بقانون الأهلية القانونية والوصاية،. ما يثير الدهشة هو وجود جهات تعارض هذا الإقتراح رغم كوننا في  القرن ال-21 وذلك بناء على حجج واهية. أكثر هذه الحجج رواجا هو الادعاء بأنه  ليس من الممكن دعم مشروع القانون في ظل إنعدام معطيات ذات مصداقية حول مدى إنتشار ظاهرة تزويج الأطفال!وهنا يجب التنويه أولا على أن المعطيات بشأن هذه الظاهرة هي واضحة، بموجب تقرير دائرة الإحصاء المركزي الصادر عام 2011, الذي يشير الى ان عدد الفتيات الفلسطينيات اللاتي تزوجن دون سن الثامنة عشرة يقارب ال 3000 فتاة, من ضمنهن 1019 تزوجن وهن دون سن السابعة عشرة. تشكل نسبة الفتيات اللاتي تزوجن دون سن الثامنة عشرة 25% من مجمل الزيجات لدى الأقلية الفلسطينية في إسرائيل.

 هذه المعطيات يجب أن تقلقنا جميعا. لكن حتى لو إقترضنا جدلاً بأنه فعلا لا توجد معطيات وافية حول مدى إنتشار ظاهرة تزويج الأطفال في المجتمع الفلسطيني في الداخل, إن رفض مشروع القانون أو عدم دعمه بناء على هذا السبب يبقى مثير للدهشة والعجب! لأنه وببساطة المواقف الأخلاقية لا تحتاج الى معطيات. هل نحن بحاجة الى قائمة معطيات حول مدى إنشار ظاهرة السرقات في المجتمع كي نتخذ موقف أخلاقي منها؟! إن المقولة بأن السرقة مرفوضة أخلاقيا هي صالحة بحد ذاتها بل وواجبه أخلاقيا بغض النظر عن مدى إنتشار ظاهرة السرقات في أي مجتمع معطى. ان وجود معطيات حول الآفات الإجتماعية هو أمر ضروري, لكن في سياق إيجاد حلول لها أو لمحاولة الحد منها, لكنه ليس ضروريا من أجل إتخاذ موقف منها.

 

 

أما الإدعاء الثاني لتبرير عدم مساندة مشروع القانون القاضي بأنه حتى لو إفترضنا وجود ظاهرة تزويج الأطفال إن القانون ليس كفيلا بمعالجتها. هذا الإدعاء هو أيضا مثير للعجب. المقولة بأن القانون لوحده ليس قادرا على معالجة بعض الآفات الإجتماعية قد تكون صائبة أحيانا لكن هذا لا يعني أبدا تجاهل الدور التربوي للقانون. فقد كتب الفلاسفة منذ عهد أفلاطون حول أهمية القانون وإسهاماتهه في عملية التنشئة الإجتماعية وتحولاتها. بحيث من الممكن الإشارة الى أكثر من قانون يصعب تطبيقه (مقارنة بقوانين أخرى) لسهولة التحايل عليه مثل قانون الحد الأدنى للأجور أو القوانين التي تضمن المساواة للمرأة في مكان العمل, لكن هذا لا يعني أبدا بأن لا نقدّر أو نعترف بأهمية الرسالة التربوية والاخلاقية التي تحملها هذه القوانين, إذ لا يخطر على بال أحد المطالبة بإبطالها لصعوبة تطبيقها. الأمر ذاته يجب أن ينطبق على المعالجة القانونية لظاهرة تزويج الأطفال.

 

أما الادعاء الاضافي العجيب لمعارضة رفع سن الزواج الذي يتمركز حول إستيراد أجندات من الغرب والإستعمار الجديد,  المؤتمرات والمؤامرات الدولية, الأمم المتحدة والخ. هذا الكلام الكبير والديماغوغية يأتيان في سياق مشروع قانون لا يسعى الى رفع سن الزواج الى 25 عاماً مثلاً, إنما الحديث يدور عن رفع سن الزواج بسنة واحدة فقط، ليضمن اكمال الفتاة لتعليمها الثانوي كأدنى حد!

من أين تأتي هذه الثقة عند الإدعاء بأن مواثيق الامم المتحدة تعكس قيما غربية لا تعنينا كشرقيين؟ إن دراسة وتحليل تاريخ تبني الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في أربعينيات القرن الماضي يدلان على أن لبنان والصين لعبتا دورا مركزيا في إعداده. ومن قال ان الأخلاق هي حكر على الشرق والعرب والمسلمين؟ وهل نحن "في الشرق" أكثر خلقا من نشيطات السلام والبرلمانيات "الغربيات" اللواتي يبحرن لغزة لفك حصارها؟ لا أحد ينكر بأن هنالك دولا عديدة تحاول إستغلال خطاب ومواثيق حقوق الإنسان بشكل هزلي لتحقيق مصالح ضيقة لا تمت لحقوق الإنسان بصلة أو حتى مناقضة لجوهرها, لكن هذه الهزلية أو الإزدواجية لا تختلف كتيرا عن موقف هؤلاء الذين لا يعارضون أبدا إستعمال مواثيق الأمم المتحدة للدفاع عن معتقلين إداريين, مثلا, ولكنهم يرفضونها عندما تستعمل للدفاع عن النساء والأطفال.

 

ان وجود أجندات غربية أو إنعدامها لا يغير من حقيقة أن هنالك قيم أخلاقية تحترمها كل الشعوب. جميعنا نوافق بأن الحصول على شهادة تعليم ثانوي يشكل حد أدنى للإنخراط في سوق العمل والحياة العامة وهويشكل أيضا حد أدنى للنهوض بالمجتمع. جميعنا نعلم أيضا أن الطالب والطالبة بين جيل ال-17 وال-18 يمران بمرحلة حرجة في حياتهما المهنية لأنهما يحضران للإمتحانات النهائية. الزواج في سن ال-17 يعني بأن الطالبة بدلا من أن تركز في إمتحاناتها ستركز في شراء ملابس السهرة وأثات المنزل وتصميم المطبخ وطلاء البيت وغيره. ثم يأتي الزواج وتأتي مسؤولياته! أين إمتحاناتها من كل هذا؟ هل تستطيع فتاة في جيل ال-17 ذات خبرة حياتية محدودة الموازنة بين كل هذه الضغوطات والإنشغالات؟! الجمعيات النسوية وجمعيات حقوق الإنسان وأي إنسان عاقل ليسوا بحاجة الى أملاءات غربية أو أممية كي يجيبوا على هذا السؤال، الإجابة واضحة كوضوح الشمس.

 

أن التكهن حول الأسباب والدوافع الحقيقية التي تقف من وراء معارضة القانون هي ليست موضوع نقاش ضمن هذه المقالة, لكن مهما كانت هذه الأسباب والدوافع هي لا تستطيع أن تبرر أبدا محاربة مشروع قانون إذا نجح لن يعود الا بالفوائد على مجتمعنا.   

 

* الكاتبة هي طالبة دكتوراة في القانون بجامعة نوتردام- الولايات المتحدة      

 
 
 
 
 
 
 
إتصل بنا
هاتف : +972(4)6462138
قاكس : +972(4)6553781
[email protected]