مقالات ودراسات

 

*هذا المقال نشر في نشرة السوار في عددها الواحد والاربعين


أنتم الشباب، لكم الغد.. فاصنعوه!


ظاهرة "تزويج الطفلات"* اخذة بالازدياد في مجتمعنا، لتصل نسبة الفتيات الفلسطينيات المتزوجات دون سن الثامنة عشرة الى 25%!!. يعني هذا ان واحدة من بين كل أربع فتيات في مجتمعنا تتزوج دون سن الثامنة عشرة، أي قبل اجتيازها مرحلة الطفولة! 
أسباب عدة تدفع فتياتنا للقبول بالزواج في عمر الطفولة ولكن حتماً مصيرهن ومصير مجتمعنا واحد! فمن الاسباب الرئيسية لتزويج الفتيات: الاوضاع الاقتصادية، أزمات جيل المراهقة والعلاقة مع الأهل وطبعاً الضغط الاجتماعي والعائلي والمفاهيم التقليدية. فغالباً ما نسمع الفتيات يرددن مقولات مثل "مش كل يوم بلاقي عريس منيح" او " بكره بفوتني قطار الزواج" وغيرها من الأقوال التي تدفع الفتاة للتفكير في الزواج وهي لا زالت طفلة يافعة! ففي الوقت الذي يحلم به معظم الشباب والشابات في سن الثامنة عشرة في أي جامعة سيدرسون او في اي عمل سيعملون وكيف سيبدأون بخط طريق مستقبلهم لتحقيق طموحاتهم الفتية، نجد واحدة من بين اربع فتيات في مجتمعنا منهمكة في التحضير لحفل الزفاف، او ربما في التحضير لغرفة مولودها الصغير القادم الى هذه الحياة ليسقط في احضان أم لا زالت طفلة يافعة تحتاج من الحنان والرعاية ما لا تستطيع تقديمه لابنها الصغير!. فنجد الفتيات الامهات الصغيرات تائهات ما بين الأعباء المنزلية والمسؤولية الزوجية ورعاية الاطفال ، بدل الانشغال بالامتحانات المدرسية النهائية او ربما بالبحث عن عمل او ربما مجرد قضاء الوقت الضروري مع الاصدقاء.


ان تغيير هذا الواقع والحد من النسب المرتفعه لفتيات يتزوجن في سن الطفولة، هو عملية تحتاج لعمل جاد وجذري لتغيير المفاهيم المتعلقة بمكانة الفتيات والنساء والايمان بقدراتهن واهمية شراكتهن في بناء المجتمع، وهذه العملية بالضرورة تكتسب منذ الصغر، لهذا نحاول من خلال عملنا المتواصل في "لجنة العمل للمساواة في قضايا الاحوال الشخصية " الوصول لشريحة الشابات والشباب طلاب المدارس الثانوية لنلتقي معهم ونثير لديهم ما لا يعرفونه إو يتجاهلونه من خبايا هذه الظاهرة.
الكثيرون والكثيرات من طلابنا يعتقدون (او ربما يفضلون الاعتقاد) أن لا وجود لهذه الظاهرة في مجتمعنا بعد والقسم الاخر يعتقد ان هذه الممارسة بعيدة عنه كل البعد او انه حتماً لن يصطدم بها! وما ان نبدأ المحاضرة حتى يتذكر الطلاب زميلتهم التي تركت مقاعد الدراسة بعد عقد القران، حيث لم يبق لها وقت للدراسة فهي بحاجة ان تتجهز لحفل الزفاف، او قد نتذكر ابنة العم التي لم تتجاوز العشرين ربيعاً عندما تأتي للزيارة ومعها ابناؤها الثلاثة، او الأخت او العمة او الخالة او الصديقة اوالجارة اوالقريبة اللواتي سمعن انها تزوجت وهي في جيلهن ايضاً! 

قد يترك التقدم الشكلي في مكانة النساء العربيات وخروجهن لسوق العمل والتعليم انطباعاً ان مجتمعنا أصبح يتعامل بندية مع شبابه وفتياته، ولكن حقيقة الواقع تشير الى غير ذلك! إذ أن نسبة انخراط النساء العربيات في سوق العمل لا تتعدى العشرين بالمئة! وفقط 10% من النساء العربيات يحملن شهادة اللقب الاول الجامعية! وهي نسب منخفضة تشير اشارة واضحة ومباشرة الى ان التغيير الحقيقي في بنية مجتمعنا نحو المساواة الحقيقية بين الجنسين وتكافؤ الفرص لم يتحقق بعد! هذه المكانة المنخفضة للنساء في مجتمعنا تنعكس في تزويج الفتيات قبل بلوغهن سن الرشد وانهائهن لمرحلة الطفولة! ليتم حصر طموح واحلام الفتاة في "العريس المنتظر" وفستان الزفاف الابيض والحفل والمجوهرات! لا يمكن الوصول لمجتمع منتج، وصحي و وتسوده علاقات المساواة، ما دامت ربع فتيات مجتمعنا تتزوج قبل بلوغها سن الرشد، وقبل تحقيق ذاتها على الصعيد التعليمي، الشخصي، المهني وغيرها مما يغلق أمامها إمكانيات العمل والدراسة والاندماج في الاطر المجتمعية، ليكون الفشل وعدم تحقيقها لذاتها ولقدراتها هو تحصيل حاصل لهذا التزويج المبكر.
ان مسؤولية رفض هذه الظاهرة وتبعاتها، لا تقع فقط على الجمعيات النسوية ومؤسسات حقوق الإنسان او المهنيين والمهنيات فقط ، بل تقع بالأساس على جيل الشباب ايضاً، فانتم شباب اليوم وانتم مستقبل الغد، ولا يمكنكم الهرب من مسؤوليتكم في بناء المجتمع، فجيل الشباب هو من يبني المجتمع، ولا يمكن القبول ببناء مجتمع لا زالت نساؤه وفتياته رهينات للمنزل والانجاب والتربية فقط، بل نحن نسعى لبناء مجتمع تسوده قيم العدالة الاجتماعية والمساواة الفعلية.
"أنتم الشباب،لكم الغد.. ومجده المخلد" فليكن الغد من صنعكم، شباب وشابات اليوم، حتى نستطيع ان نمجده لنضمن الحرية الفردية للجميع والفرص المتكافئة والعدالة الاجتماعية.ان أخذ الدور الفاعل، الجاد والمسؤول في مكافحة ظاهرة تزويج الفتيات الطفلات هو خطوة أساسية في هذا الطريق.
*تزويج الطفلات: نعتقد ان مصطلح تزويج بامكانه ان يعبر بشكل افضل وادق عن المعنى الحقيقي للظاهرة، فهو "تزويج" وليس "زواج" لانه يفتقد الى عنصر الارادة ، ونكتب "طفلات" لان المواثيق الدولية تعرف الطفل، كل من هو دون سن الثامنة عشرة.

*عضوة في السوار ومركزة لجنة العمل للمساواة في قضايا الاحوال الشخصية.

 
 
 
 
 
 
 
إتصل بنا
هاتف : +972(4)6462138
قاكس : +972(4)6553781
[email protected]