مقالات ودراسات

 

تعدّد الزوجات كظاهرة خارج المنظومة القانونيّة:  السلطة القانونيّة مقابل السلطة البطركيّة (1)/ راوية أبو ربيعة

 راوية أبو ربيعة*

 

ليس ثمّة معطيات دقيقة حول مدى انتشار ظاهرة تعدُد الزوجات في صفوف المجتمع الفلسطينيّ البدويّ،  لكن الكثير من التقديرات تؤكّد أنّ عدد الأسر(2) التي فيها تعدُد الزوجات يتراوح بين 20% و 36%. في فترة العقدين أو الثلاثة الأخيرة، حصل تزايد ثابت في تعدّد الزوجات على جميع مستويات المجتمع  العربيّ- البدويّ (3).  تنتشر هذه الظاهرة في صفوف جميع الطبقات، بصرف النظر عن السنّ والمستوى التعليميّ والحالة الاجتماعيّة- الاقتصاديّة.

 

ينظر القانون الدوليّ إلى تعدّد الزوجات كظاهرة تمييزيّة ترتبط بجميع أشكال إلحاق الأذى بالنساء: الأذى البدنيّ، والذهنيّ، والجنسيّ والإنجابي وكذلك الاقتصادي (4). وتدّعي الناشطات من أجل حقوق النساء أنّ ممارسة تعدُد الزيجات تنتهك الكثير من حقوق اإنسان الجوهريّة التي اعترف بها القانون الدوليّ.

يَعتبر القانون الإسرائيلي تعدُد الزوجات جنحة جنائيّة بحسب قانون العقوبات، لكن القانون الشرعيّ الذي  يحتكم إليه المسلمون في إسرائيل يصرّح بتعدّد الزوجات. على الرغم من ذلك، فإنّ دولة إسرائيل لا  تطبّق قانون العقوبات على العرب البدو. كيف نتناول موضوعًا يشكّل في الوقت ذاته مسألة قانونيّة واجتماعيّة وثقافيّة وسياسيّة، ويخصّ النساء العربيّات- البدويّات في النقب؟ كيف نتعامل مع حقيقة كون المرأة البدويّة غير مرئيّة في تعدّد الزوجات؛  وكيف نتعامل مع حقيقة كون المواطنين غير مرئيّين في أعين القانون الإسرائيلي، وأنّ المرأة غير مرئيّة  في أعين المجتمع البدويّ؟ كيف نخلق تصدّعات في مؤامرة الصمت المَحُوكة حول ظاهرة تعدّد  الزوجات؟ ما هي الآليات التي تُديم هذه الظاهرة؟ ومن ذا الذي يملك مصلحة تحويلها إلى ظاهرة أبديّة؟

لم تتولّد ظاهرة تعدّد الزوجات في المجتمع العربيّ البدويّ من فراغ، بل هي تمارَس في نقطة تقاطع السلطة الاستعمارية والسلطة البطركية (5).  المصطلحان "البطركيّة" وَ "الاستعمار" كلمتان مشحونتان؛  السلطة الاستعمارية هي الطريقة التي تمارِس فيها إسرائيل سلطتها السياسيّة كدولة تجاه المواطنين غير اليهود. السلطة الاستعماريّة تعزل وتفصل المجتمع البدويّ داخليًا من خلال دعم المنظومة القبليّة  التقليديّة، ومن خلال ممارسات نحو تعدُد الزيجات (6) السّلطة البطركيّة هي الطريقة التي يمارس من خلالها الرجال البدو هيمنتهم على النساء البدويّات (7) في مجتمع هرميّ يرتكز على الفروق الجندريّة.

 

تعمل سلطة كهذه داخل المجتمع البدويّ على نحوٍ فاعل وكردّ فعل في الوقت ذاته، وفي علاقة مع الدولة والسلطة الاستعماريّة. التقسيم بين الآليتين ليس بتشاطريّ ولا ثنائيّ التفرّع، وهو يتبدّل على نحوٍ ثابت.

تفعيل السلطة الاستعماريّة من قِبل دولة إسرائيل يُشجّع البطركيّة ويُضعف المرأة البدويّة. ممارسة هذه السلطات تدفع في نهاية المطاف إلى إخراج تعدّد الزوجات إلى خارج المنظومة القانونيّة، وإلى تحوُل  المرأة البدويّة إلى غير مرئيّة في عيون القانون.

تفعّل دولة إسرائيل بالتزامن منظومتين قانونيّتين ضدّ السكان البدو:  1)  المنظومة القانونيّة المتعلّقة  بالأرض والديموغرافيا؛ 2) المنظومة القانونيّة المتعلّقة بقانون الزواج.  تُمثّل المنظومة الأولى سيادة الدولة وآليّات فرض القانون عندما تبدي الدولة اهتمامًا وقلقًا حيال قضايا الحيّز العامّ. تخضع المنظومة الثانية للمحاكم الدينيّة، وتمثّل شؤونًا قانونيّة تتعلّق بالحيّز الخاصّ. تُفعّل الدولة سلطتها الاستعماريّة في  الحالتين: تتصرّف في المنظومة الأولى كدولة وكمستعمِر؛ وفي المنظومة الثانية لا تحرّك ساكنًا، حيث تُصان معايير السكّان الأصليين لصالح الأصليين. يخلق هذا الأمر تفرّعًا بين قانون عقوبات ذي مرجعيّة  الدولة، وبين قانون العائلة ذي المرجعيّة الدينيّة. من ناحية، تحظر الدولة تعدُد الزوجات من خلال قانون العقوبات، ومن ناحية ثانية لا تطبّق القانون عندما يدور الحديث عن السكّان البدو.

 

إذا تحدّثنا بمفردات الحقوق، لا تبقي بنْية القانون سوى القليل من السلطة بيد النساء، وتمنح مزيدًا من  القوّة للرجال كي يمارسوا سلطتهم البطركيّة من خلال التلاعب المنظومة بهدف التزوّج من مزيد من النساء، وعدم تسجيل الزواج لدى السلطات الإسرائيليّة. السلطات المحلّـيّة  غضّت الطرْفَ عن هذه  الممارسات من خلال السماح بتسجيل أبناء هذه الزيجات في سجلّ السكّان تحت اسم الزوجة الأولى، أو  لمجرّد توافر تصريح بالأبوة (8) . يَستخدم الرجال البدو وسيلة أخرى للتحايل على الجهاز القانونيّ، وذلك من خلال التزوّج من نساء أخريات بحسب الزواج العرفيّ.  وإذا تزوّجوا من امرأة من الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة لا يقومون بتبليغ السلطات الإسرائيليّة. عندما تلد الزوجة الثانية في مستشفى  إسرائيليّ، يدّعي الرجل البدويّ أنّ الزوجة "صديقته" أو "المعروفة" (9) أو يقوم بتوقيع الوثائق التي تشير  إلى أنّه الأب الشرعيّ للمولود دون الإعلان أنّ الأم هي زوجته (10).

تطبّق الدولة منظومتين قانونيّتين تُظهران تعدُد الزوجات كظاهرة قانونيّة وتسمح للبدو بممارسة قانونهم العرفيّ تحت ستار "التعدّديّة الثقافيّة". بَيْدَ أنّ هذه الاستقلاليّة لا تُمنح من قِبل الدولة إلّا على صعيد قوانين العائلة، وتُبقي المرأةَ البدويّة  خارج المنظومة القانونيّة كمواطنة غير مرئيّة.  الصمت "الصارخ" من قبل دولة إسرائيل والمجتمع  البدويّ يشكّل شارة تحذير للطريقة التي تُعامَل فيها المرأة البدويّة، والطريقة التي يجري فيها تهميشها.

ثمّة حاجة إلى دراسة أخرى تستحضر الروايات المضادّة للنساء البدويّات حول تعدُد الزوجات، وتحلّل  الطرق التي تناضل بها النساء البدويّات ضدّ تعدُد الزوجات، ومن أجل حقوقهنّ  كجزء من أقلّـيّة إثنيّة.

 

(1)   يرتكز هذا المقال على أطروحتي: إعادة تعريف تعدّد الزوجات في صفوف البدو الفلسطينيّين البدو في النقب: الكولونياليّة، والبطركيّة والمقاومة. دراسات الماجستير في القانون Washington College of law ، الجامعة الأمريكية, 2009.

(2)   لوطان، تعدُد الزوجات في صفوف المجتمع البدويّ في إسرائيل، مركز المعلومات والأيحاث التابع للكنيست، 1،1 (2006) (بالعبرية).

(3)   عارف أبو ربيعة، سلمان البدور، ساندرا شام، تعدُد الزوجات وما بعد البداوة في صفوف البدو في إسرائيل، 3(2)، ANTROPOLOGY OF THE MIDDLE EAST  20,  23 (2008)

(4)   راجعوا المادّة 16 1(ب) معاهدة القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة http://www2.ohchr.org/english/law/cedaw.htm

(5)   أتبنّى هنا البرادايم الكولونياليّ الذي عرضة أورين يفتاحئيل، خاتمة:  دراسة بدو النقب- نحو برادايم كولونياليّ؟  HAGAR8:2, (2008) 87, 83STUDIES IN CULTURE, POLICY AND IDENTITES

(6)   المصدر السابق.

(7)   حيانا تمارَس هذه السلطة على الرجال الصغار أيضا.

(8)   الهامش 3 أعلاه.

(9)   يُستخدم هذا المصطلح للإشارة إلى حالة يمارِس فيها الرجل والمرأة حياة مشتركة في إطار عائليّ، لكن دون عقد زواج. في المعتاد، اليهود الإسرائيليّون هم الذين يستخدمون هذا المصطلح. بحسب قوانين الشريعة، هذه العلاقة غير شرعيّة.

(10)أبو ربيعة، البدور وشام، الهامش "4" أعلاه.

 

 

 

* نشر هذا المقال في العدد السادس عشر من مجلة "جدل"  الصادرة عن مدى الكرمل.

 

** راوية أبو ربيعة: طالبة للقب الثالث في قسم القانون في الجامعة العبريّة.

 

 

 
 
 
 
 
 
 
إتصل بنا
هاتف : +972(4)6462138
قاكس : +972(4)6553781
[email protected]